أوروبا تحارب النقاب


ترجمة: حسن شعيب
 اشتدت مؤخرًا الحملة العدائية الأوربية البغيضة ضد الإسلام، سواء حربًا على الحجاب، أو حظرًا نهائيًا للنقاب. وقد تناقلت وسائل الإعلام الكثير من تلك الأحداث، ومدى احتدام الجدال الدائر حولها.
وكعادة تقنين الغرب لهذه الحملات, قامت الحكومة الفرنسية بتقديم مشروع قانون لحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة. وصرَّح الناطق باسم الحكومة بأنّ فرنسا لن تسمح باتساع ظاهرة النقاب، وأنها ستضع قوانين مستقبلية لمنع انتشاره.
ومن المتوقع أن يُصدِر مجلس النواب الفرنسي قرارًا بحظر النقاب في 11 مايو الجاري، بحسب تصريحات "برنار اكوييه" رئيس المجلس, الّذي قال: "جميع الفرنسيين سيقولون لا لارتداء النقاب، وهذا العمل سيكون ممنوعًا على الأراضي الفرنسية".
وعلى غرار فرنسا, عقد مجلس النواب البلجيكي جلسة للتصويت على مشروع قرار يمنع ارتداء النقاب حتى في الشوارع، وقد اتفقت الأحزاب المشاركة في الحكومة وأحزاب المعارضة على اعتماد ذلك المشروع, وفي حال الموافقة عليه سيصبح قانونًا ساريًا في يونيو الجاري، أو يوليو القادم. وينصُّ مشروع القانون المقترح على فرض عقوبة على المخالِفات تصل إلى غرامة تتراوح بين 15 و25 يورو (20 إلى 34 دولارًا)، والسجن مدة تصل إلى أسبوع.

ما وراء الحظر
جديرٌ بالإشارة أنّ هذه الحملة على النقاب لم تكن على المستوى الرسمي فحسب, بل والشعبي أيضًا، حيث كشف استطلاع للرأي أجراه راديو "أوروبا 1"، عن أنّ 64% من الفرنسيين يؤيدون فرض حظر كامل، أو جزئي على ارتداء النقاب في الأماكن العامة بفرنسا, فيما أعرب 33% عن تأييدهم لفرض حظر كامل على ارتداء النقاب في الأماكن العامة، بينما أيّد 31% منهم فرض حظر جزئي على ارتداء النقاب في بعض الأماكن العامة بالبلاد, في حين أبدى 22% فقط معارضتهم لحظر النقاب.
وبنفس الأسلوب تسعى النمسا وحكومتها لحظر النقاب, حيث كشفت وزيرة المرأة هناك عن عزم الحكومة النمساوية حظر ارتداء النقاب بشكلٍ كامل, كذلك الحال في أسبانيا وبعض الدول الغربية.
تلك هي الدول الأوربية, الّتي تدعى رعايتها لحقوق الإنسان, تسعى لانتزع حق المسلمات في العالم, فتمنع المرأة من ارتداء النقاب؛ بل وتفرض عليها غرامة مالية, كما حدث مع مسلمة فرنسية كانت ترتدي النقاب خلال قيادتها للسيارة, فقام عناصر الشرطة بإيقافها وإلزامها بدفع غرامة تقدر بحوالي 22 يورو. ولم يقف الحال عند هذا الحد، بل وطالب وزير الهجرة الفرنسي بسحب الجنسية من زوجها ذي الأصول الجزائرية.
حظر النقاب, ليس المقصود به النقاب في حد ذاته, بل هي حرب على كل ما هو إسلامي, وما النقاب إلا خطوة هامة للتصدي بعد ذلك للحجاب وغيره من الرموز. والبدء في سن قوانين لمنعه بشكلٍ كامل, وهذا ما تُشير إليه الوقائع الأخيرة حيث طُردت "نجوى ملحة", طالبة ثانوية, من مدرسة بالعاصمة الأسبانية مدريد؛ لأنها رفضت خلع حجابها الّتي كانت ترتديه, كما وقعت ذات الحادثة مع شابة مسلمة في كوسوفو، وتتوالى الأحداث في هذا الصدد.
أما المسلمون فقد تفاوتت ردود أفعالهم, بين معارض للغاية وبين مؤيد وآخر لا يهتم, بل تحدثت وسائل الإعلام عن فُرْقَة أحدثها هذا الحظر بين المسلمين أنفسهم. فبينما أثارت هذه الحرب العنصرية الّتي تنتهجها الدول الأوربية, حفيظة وغضب الهيئات والمؤسسات في العالم الإسلامي, حيث اعتبرها رئيس مجلس العلماء في إندونيسيا "ستفرض قيودًا على حقوق النساء المسلمات في الالتزام بالواجبات الدينية".
وفي باكستان, توقع قادة سياسيون وعلماء مسلمون توترات أخرى بين الأديان في أوروبا، وقال صديق الفاروق، الناطق باسم أكبر حزب معارض، الرابطة الإسلامية الباكستانية-نواز: إنّ على فرنسا وبلجيكا "احترام شرعية الأمم المتحدة الّتي تُؤكد على حرية الأديان".
كما أعربت منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان عن استيائها، وقالت منظمة العفو الدولية: إنّ هذا الحظر "ليس ضروريًا ولا متوازنًا"، وإنه "ينتهك الحق في حرية التعبير والمعتقد لدى النساء اللواتي اخترن التعبير عن هويتهن أو عقيدتهن بهذه الطريقة".
 وفي الوقت ذاته, خرج بعض المسلمين ليؤيد هذا الحظر, ومن أبرز هذه الأصوات ما نقله الإعلام عن حسن شلغومي, إمام مسجد في باريس، المناهضة للنقاب، وهو الرجل الذي كثيرًا ما أثنى عليه ساركوزي ووزرائه. حيث يرى شلغومي أنّ النساء اللاتي يرغبن في تغطية وجوههن؛ عليهن أن يرحلن إلي أي دولة إسلامية يكون فيها النقاب تقليدًا، كما أنّ موقفه المؤيد للحظر القانوني للنقاب، يأتي من زعمه أن النقاب لا أساس له في الإسلام، وأنّه يخص تقاليد أقلية ضئيلة، تعكس فكرًا يُسيء للدين, وقد خالف في ذلك معظم زعماء المسلمين في فرنسا، الذين يحثون أعضاء البرلمان علي عدم التصويت لصالح "حظر النقاب".  
ويبقى السؤال: هل ستحذو أوروبا جميعها حذو فرنسا وبلجيكا، بإقرار قانون يحظر النقاب في الأماكن العامة؟ أم أنّه برغم هذه الحرب الضروس ضد النقاب, فإنّ تلك الدول الأوربية تقوم وبلا دراية بنشر قضية النقاب، وتدعوا عن غير قصد جميع المسلمين، في شرق العالم وغربه، للتمسك بالدين والتصدي لمن يكيد له ويسعى للقضاء عليه؟
-------------------
طالع ..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء