كيف تساعد السلطة الفلسطينية الاحتلال؟
ترجمة: حسن شعيب
في
الآونة الأخيرة صار من الواضح أن المؤسسة السياسية في رام الله تُعنى
بالمحافظة على الدعم الغربي أكثر من اهتمامها بإيجاد حلّ للانقسام الداخلي.
تغير
مسار السلطة الفلسطينية إلى الاتجاه المعاكس منذ كارثة تقرير جولدستون
الدبلوماسية، حيث بدأت في إصدار وابل من الإدانات للاحتلال الإسرائيلي،
وأظهرت براعةً في إلقاء الخطب النارية للمطالبة بتحقيق العدالة
للفلسطينيين, إلا أن وجود شبهة لتورط قوات أمن السلطة الفلسطينية في عملية
اغتيال محمود المبحوح, أحد قادة حماس, إلى جانب تعزيز التعاون الأمني بين
السلطة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية, كان وقعه يختلف
بشدة لدى الفلسطينيين الذين يعيشون تحت صلف الاحتلال.
وخير
دليل على هذا التنسيق الأمني, حيث تتزايد الاجتياحات الإسرائيلية لأراضي
السلطة الفلسطينية منذ الصيف الماضي مستهدفةً رام الله بشكل منتظم خلال
الأشهر القليلة الماضية؛ بهدف اعتقال عناصر من قادة المقاومة الشعبية
ونشطاء التضامن الدولي، والإغارة على مكاتب الحركات الشعبية المناهضة
للاحتلال، ما يثير اندهاشك -وهذا ما رأيته بنفسي مرات عديدة أثناء إقامتي
في المدينة هناك- أنه من المستحيل أن تذهب لأبعد من حاجزين بدون رؤية قوات
السلطة الفلسطينية, أما عند دخول الإسرائيليين, فالأمر يختلف؛ حيث يصدرون
أوامرهم للأمن الفلسطيني بالعودة إلى ثكناتهم في رام الله, ومن ثَمَّ
يتبخرون على الفور.
وهذا
ما سمح في الوقت ذاته لإسرائيل أن تقوم باستئناف عمليات اغتيال المقاومة
في نابلس، في 26 ديسمبر, عندما قتلت بدم بارد ثلاثة رجال ينتمون لحركة فتح,
وتسترت على هذه الجريمة قوات أمن السلطة الفلسطينية وتواطأت مع الجيش
الإسرائيلي ولم تترك لهم أثرًا، وحسب ما نقلته وكالة "معا" الإخبارية عن
"سامي أبو زهري" -الناطق باسم حماس- أن السلطة الفلسطينية متورطة في تلك
العملية، وحذَّر قائلًا: "ينبغي علينا تشجيع المقاومة وعدم التآمر ضدها".
ولم
تكتفِ السلطة الفلسطينية بذلك, حيث واصلت قواتها الأمنية (بتدريب غربي
وأردني) اعتقال وتعذيب كلّ مَن لهم صلة بالمقاومة، وخاصة الذين ينتمون إلى
حماس, كما رفضت قيادة فتح التي تدير السلطة الفلسطينية تقديم التنازلات
الضرورية لتحقيق الوحدة الوطنية, بل وقد أظهرت مؤخرًا المؤسسة السياسية في
رام الله اهتمامًا أكبر بالإبقاء على الدعم الغربي أكثر من إيجاد حلّ لحالة
الانقسام الداخلي والتوصُّل لقيادة موحدة لمقاومة الاحتلال.
وفي
الواقع يبدو أن الدول الغربية التي تدعم إسرائيل وتطالب عباس بالعودة إلى
المفاوضات هي نفسها التي تغضُّ الطرف عن عمليات الاعتقالات والتعذيب غير
القانونية, حيث يؤكد وسام أحمد، مسئول الدفاع بمنظمة الحق التابعة للمفوضية
الدولية للحقوقيين بالضفة الغربية, أن الممارسات واسعة النطاق للاعتقالات
السياسية والتعذيب غير الشرعية على يد أمن السلطة الفلسطينية ظلت مستمرة،
برغم إبلاغ كل من السلطة الفلسطينية والمسئولين الأمريكيين بذلك.
وفي
الشهر الماضي، عندما تحدثتُ إلى "خالدة جرار" ممثلة شئون الأسرى بالجبهة
الشعبية لتحرير فلسطين, والتي أدانت السلطة الفلسطينية فيما تقوم به من
الاعتقالات السياسية المستمرة للفلسطينيين وإبقائها على التنسيق الأمني مع
إسرائيل, قالت في إشارة إلى عمليات القتل في مدينة نابلس في ديسمبر الماضي:
"الاغتيالات نموذج واضح لأن يكون سببًا لدى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
بانتهاجها سياسة تطالب فيها السلطة الفلسطينية بإنهاء هذا التنسيق الأمني".
وأبرزت
جرار أن كلا من التنسيق الأمني والاعتقالات السياسية هي جزء من امتثال
السلطة الفلسطينية لخارطة الطريق التابعة للمجموعة الرباعية, قائلة: "نحن
كفلسطينيين لدينا فرصة لإعادة النظر في مفاوضاتنا مع إسرائيل, كما أنه لا
بدّ من إيقاف التنسيق الأمني معها, وأن تكون لدينا مراجعةٌ سياسية شاملة
لهذه العملية، وهذا يتطلب التأكيد على تطبيق القرارات الشرعية الدولية
وإعادة إطلاق المقاومة الشعبية".
وبرغم
أن جرار وحزبها استطاعا التغلغل داخل الشعب في شوارع الضفة الغربية, فقد
حافظت مفاتيح القوة التي تقع في أيدي الدول الغربية على عباس، واقفًا على
قدميه ماليًّا وعسكريًّا.
وفي
الوقت نفسه فإن إسرائيل تعترف باستفادتها بوجود شريك بوليسي في الضفة
الغربية يُغذِّي الانقسام الداخلي الفلسطيني ويسمح بالخطب البلاغية
والمنمقة فحسب، بغضّ النظر عما يطالب به الفلسطينيون، شريطة أن تظل هذه
الخطب المنمقة والنارية كافيةً لاسترضاء شعب الضفة الغربية أو كسب صمتهم،
فإن كلًّا من السلطة الفلسطينية وإسرائيل لديهما مصلحة في الحفاظ على الوضع
الراهن وأن يقوم كلٌّ منهما بدوره في إدارة الاحتلال.
---------------
طالع..المصدر
تعليقات