أطفال غزة .. ألف يوم من الحصار والجراح
ترجمة: حسن شعيب
وسط
الجراح النفسية والمعنوية والحرمان من الرعاية الطبية والتعليم, كانت
الحياة -إن صح تسميتها كذلك- التي كابدها أطفال غزة طيلة ألف يوم من الحصار
الإسرائيلي المفروض على القطاع.
بحذر
صعدت "أمسيات" ابنة الثانية عشر على الدرج الأمامي في الفصل الدراسي بعدما
هندمت زيّها المدرسي الأخضر, وأخذت الفتاة الخجولة تشرح لزميلاتها ما
عانته من تجارب, كما هو الحال في مدارس العالم, لكن تجربتها كانت مختلفة
ومريرة, فلم تكن رحلة عائلية أو نزهة مدرسية.
أخذت
أمسيات تروي بأسى كيف قُتِل شقيقها إبراهيم، "هنا أطلقوا النار على أخي
إبراهيم ذي التسعة أعوام, رحمه الله, وهذه طائرة (إف 16) التي قذفت الأخضر
واليابس بالصواريخ، وهنا الدبابة التي أطلقت النيران علينا" أتبع ذلك تصفيق
حار من قِبل زميلاتها، وهذا التمرين يهدف إلى مساعدة الطلبة في التعايش مع
الحرب التي هيمنت على حياتهم القصيرة، ولا سيما ما أصابهم من ويلات ورعب
بسبب عملية "الرصاص المصبوب" التي أودت بحياة 1400 فلسطيني.
كحال
مئات الفلسطينيين النازحين, أمضت عائلة أمسيات أكثر من عام في خيمة بقرب
منزلهم المحطّم, حيث إن عملية إعادة الأعمار بطيئة للغاية بسبب الحصار
المفروض على القطاع بمنع عبور لوازم البناء من الاحتلال الإسرائيلي منذ عام
2007.
التشرّد
هو أحد القضايا التي تواجه حوالي 780 ألف طفل بغزة عقب العدوان
الإسرائيلي, وربما تكون الجروح النفسية التي يتحمّلها الأطفال الذين نجوا
أكثر إزعاجًا وألمًا, وحسب تقارير برنامج الصحة النفسية بغزة التي أفادت أن
معظم الأطفال تظهر المؤشرات إصابتهم بالقلق والاكتئاب والمشاكل السلوكية.
وبرغم
هذه الجراح التي يعانيها هؤلاء، إلا أن نفوسهم الأبيّة خفّفت عنهم
المعاناة, فنرى هؤلاء الصبية الصغار يبنون صواريخ لعبة من زجاجات المشروبات
ويتجاذبون أطراف الحديث عن شراء بنادق ألعاب من مصروف جيبهم، وهذه الألعاب
تعكس مدى رغبة هؤلاء الأطفال للانتقام من قاتلي ذويهم وأهليهم، بل
ويعلنونها صراحة, وهذا لا يعد سوى غيض من فيض.
فهذا
محمود, 12 عامًا, يصف كيف قَتل الجنود الإسرائيليون والدَه بالرصاص, ويشرح
كذلك التغييرات الهائلة التي طرأت عليه فيقول: "قبل العدوان الإسرائيلي،
كنت أفكر في التعليم، ولكنني بعدها بدأت أفكر كيف أصبح مقاتلًا, ثم أردف
قائلًا: إن شاء الله, إن استطعت قتل إسرائيلي فهذا أفضل من لا شيء".
ومع
القيود المشدّدة التي يفرضها الكيان الصهيوني على أكثر من 1.1 مليون شخص
في غزة, انضم معظم الأطفال لحركات المقاومة (حماس والجهاد وغيرهم) لنَيْل
الشهادة في سبيل الله والأخذ بالثأر لشهدائهم, وفي الأسبوع قبل الماضي
انطلقتْ مظاهرة سلمية لألف شمعة مضيئة لإحياء ذكرى ألف يوم على الحصار
الإسرائيلي, وذلك في ظل ارتفاع نسبة البطالة إلى 45%, فضلًا عن أن 76% من
العائلات تعيش في فقر مدقِع.
لقد
مزّق العدوان الصهيوني الأُسَر وخاصة الآباء الذين يشعرون بالذنب لعجزهم
عن حماية أطفالهم والآن لا يستطيعون توفير الغذاء لهم, فهذا والد أمسيات
وهو داخل الخيمة التي صارت بمثابة المأوى الوحيد لهم, يعرِب عن أسفه لمقتل
ابنه إبراهيم قائلًا: "قتل الإسرائيليون ولدي وهو بين ذراعي, ولم أستطع
حمايته", ثم يضيف والدموع تنهمر على وجهه: "لم يكن بوسعي أن أنظر إليه وهو
يلفظ أنفاسه الأخيرة, لأن الجنود كانوا فوق رأسي, لقد كنت أخشى أن يقتلوني،
وهذا الشيء يعذبني للغاية".
من
جانبه, يقول الدكتور أحمد أبو طواحينه, مدير برنامج غزة للصحة النفسية:
"إن هذه القضية أثّرت أيضًا في الأطفال، فقد فقدوا آباءهم مرتين، عندما
وجدوهم خلال العدوان مذعورين وغير قادرين على حمايتهم، والآن, في ظل هذا
الحصار, يرونهم لا يزالون عاجزين عن توفير احتياجاتهم الأساسية, مثل...
توفير الغذاء والمسكن, إنها حقًّا أزمة تجتاح الأسر والمجتمعات المحلية في
جميع أنحاء غزة".
لقد
كان لهذه الأزمة الأثر المدمر على العلاقات الأسرية, والعديد من الأطفال
يعانون من الآثار الجسدية للعدوان, ومن هؤلاء شقيقة محمود, تسعة أعوام,
التي علقت تحت أنقاض منزلها, الذي دمرته القذائف الإسرائيلية, لأربعة أيام
قبل أن يتمَّ إنقاذها, مصابة بشظية في دماغها مما يجعلها تعاني من الصداع
ونزيف في الأنف, ولا يحصل الأطفال كذلك على الرعاية الطبية اللازمة بسبب
الحصار.
والعديد
منهم لم يكن لديه خيار في مغادرة قطاع غزة, حيث لا يتوفر العلاج الكيماوي
في جناح الأورام, إلا أنه لا يتم منحُهم أوراق المرور عبر الحدود المصرية،
ويقول ستيف سوسبي, رئيس صندوق الإغاثة لأطفال فلسطين: "إن معدل الوفيات
بسبب السرطان في غزة أعلى بكثير من أي مكان آخر, فلا بد أن يحصلوا على
تصريح مرور عبر الحدود، إلا أن معظمهم لا يحصلون عليه"، حتى هؤلاء الذين يحصلون على تصريح المرور بعد عناء أسابيع, يعانون لأسابيع أخرى حتى يتم فتح تلك المعابر.
--------------------
طالع..المصدر
تعليقات