سجون أمريكا السريَّة في أفغانستان
ترجمة: حسن شعيب
طالع..المصدر
في
العام الماضي, وذات ليلة شتوية هادئة في بلدة خوست بشرق أفغانستان اختفى
قسمت الله, موظف حكومي شاب, بعد أن شُوهد للمرة الأخيرة في سوق المدينة مع
بعض أصدقائه, وقد جاب أفراد أسرته شوارع المدينة لعدة أيام بحثًا عنه, وقام
شيوخ القرية بالاتصال بقادة طالبان في المنطقة, لكنهم لم يسمعوا عنه
شيئًا.
جاء
الربيع والصيف وذهبا بدون أي خبر عن الشاب, وذات يوم, بعدما تخلَّت الشرطة
وشيوخ القرية عن البحث الذي استمرَّ لفترة طويلة, جاء رسولٌ برسالة
سلَّمها إلى عائلته، وفيها اكتشفوا أن قسمت الله في معتقل (باجرام), وهو
سجن أمريكي على بُعد 200 ميل من أفغانستان، وكانت القوات الأمريكية قد
اعتقلته، بينما كان في طريقه عائدًا إلى منزله من السوق, كما أفادت
الرسالة, أنه لا يعرف متى يُطلَق سراحه.
خلال
السنوات القليلة الماضية، فقد قرويُّو البشتون الثقة في المشروع الأمريكي،
فكثير منهم مهدَّد بالاعتقال من قِبل القوات الأمريكية كمشتبه فيهم
بالانتماء إلى طالبان أو القاعدة، وفي ظلام الليل, يتمُّ
إرسالهم إلى سجون سرية داخل القواعد العسكرية في أفغانستان دون علم ذويهم,
بل وصارت هذه المداهمات والاعتقالات الليلية أكثر إثارة لرعب الأفغان من
الغارات الجوية على قرى البشتون.
ظلامٌ حالِك
في
تمام الساعة الثالثة والربع صباحًا, من يوم 19 نوفمبر العام الماضي، دوَّى
انفجارٌ قوي أيقظ سكان القرية المجاورة لمدينة جازني, في جنوب البلاد,
واقتحم بعض الجنود الأمريكيين البوابة الأمامية لمنزل مجيد الله قرار،
المتحدث باسم وزير الزراعة، الذي كان في كابول, إلا أن أقاربه كانوا
بالمنزل. ركض أحدهم ويُدعى حميد الله, بائع جزر, إلى باب حجرة الضيافة,
فأُطلق عليه النار فاندفع ابن عمه عازم, وهو خباز, فقاموا بإطلاق النار
عليه أيضًا.
ثم
قامت القوات بالدخول إلى المنزل وتحطيم كل أثاثه، وإلقاء الملابس على
الأرض, وأخيرًا عثروا على الرجل الذي يريدونه, حبيب الرحمن, مبرمج كمبيوتر،
قام بتحويل برنامج مايكروسوفت ويندوز من الإنجليزية إلى اللغة المحلية
للبشتون؛ حتى يتسنى للمكاتب الحكومية استخدامها.. لكن هذه لم تكن التُّهمة،
فالرجل اعتقل بتهمة انتمائه للقاعدة!
أخذت
القوات حبيب الرحمن وابن عمه على متن مروحية كانت قريبة من المنزل إلى
قاعدة أمريكية للاستجواب، وبعد يومين تم إطلاق سراح ابن عمه، أما هو فلم
يُعرَف عنه شيء حتى الآن.
وقال
قرار: "لقد اتصلنا به, لكنه لا يجيب", وباستخدام علاقاته القوية, كلّف
الشرطة والبرلمانيين والمحافظ وحتى وزير الزراعة بالبحث عنه, لكن بلا طائل،
وبخلاف ما إذا كان حبيب الرحمن مذنبًا أو بريئًا فقد تركت الطريقة التي اعتُقل بها مشاعر كراهية -ستدوم طويلا بلا شك- لدى أفراد عائلته.
وأضاف
قرار: "لقد كنت أذهب إلي التليفزيون وأقول للناس ينبغي عليكم دعم الحكومة
والأجانب, ولكنني كنت مخطِئًا, لماذا يتعين علينا فعل ذلك؟! لا يهمني إذا
ما طردت من عملي في سبيل قول الحقيقة".
كلابُ الحرب
هذه
الغارات الليلية ليست سوى الخطوة الأولى في عمليات الاعتقال الأمريكية في
أفغانستان، حيث يتم إرسال المشتبه بهم إلى واحدة من سلسلة السجون الأمريكية
السرية داخل القواعد العسكرية، والتي يصل عددها رسميًّا إلى تسعة، ويُطلق
عليها مواقع ميدانية للاعتقال.
في
السنوات الأولى للحرب, كانت هذه السجون التسعة هي محطات قبل الانتقال إلى
سجن باجرام الرهيب, ذي السمعة السيئة بسبب المعاملة العنيفة, وفي مقابلة
مع 24 من المعتقلين, قال 17 منهم إنهم تعرَّضوا للتعذيب أثناء إرسالهم إلى
هذه السجون، حيث يقوم المحقِّقون بعصب عيونهم وتكميم أفواههم وربطهم بالسقف
وأحيانًا يجري إطلاق الكلاب عليهم، التي تقوم بعضّهم، وأحيانًا يتم فتح فم
السجين عنوةً وسكب الماء بكميات كبيرة فيه، ويستمر التعذيب لأيام عدة، حسب
ما ذَكر السجناء.
يقول
أحد هؤلاء المعتقلين, ويدعى شيرخان: إن المحققين ظلُّوا يستجوبوه طوال
الليل, بعد أن قام المحققون بعصب عينيه وتكميم فمه وتكبيله إلى السقف ثم
أطلقوا كلبًا عليه, وعندما أزلوا العصابة عن عينيه أجبروه على الركوع على
شريط خشبي طويل, وأخذ خان يصرخ ويصرخ, ثم أجبروه على ابتلاع اثني عشر زجاجة
مياه حتى فقد الوعي.
السجّان أوباما
وفي
الآونة الأخيرة, تم الكشف عن الكيفية التي سلّمت بها وكالة الاستخبارات
المركزية الأمريكية (سي آي إيه) والسلطات البريطانية الإثيوبي "محمد بنيام"
إلى جلَّادين في باكستان لتعذيبه، والتي تبدو للوهلة الأولى ممارسة من
مخلفات ولاية بوش، إن من بين الأسباب التي جعلت الأمريكيين يقومون بانتخاب
أوباما رئيسًا للولايات المتحدة هو إخراجهم من هذا الفخّ, لكنه بدلًا من
ذلك قام بتوريطهم أكثر, حيث يعمل على تصعيد الحرب بأفغانستان ونقل المعارك
لبلدٍ مسلم آخر، وهذا ما يعرّض حياتهم لخطر أكبر.
أوباما,
بوصفه رئيسًا للولايات المتحدة يصدِر أوامرَه لجهاز الاستخبارات المركزي
والمرتزقة المأجورين الذين يعملون الآن في باكستان بإرسال طائرات بدون
طيارين لإلقاء القنابل, ويبعث بعملاء سريين لخطف متهمين بزعم أنهم مشتبه
بهم في تورطهم في عمليات إرهابية.. إلا أن معظم ضحاياه هؤلاء من المدنيين.
وعكس
ما كان يدَّعيه أوباما, فإن الولايات المتحدة ما زالت تحتفظ, حسب روايات
وردت من أفغانستان, بعددٍ من السجون السرية يتم فيها احتجاز الأشخاص لآجالٍ
غير معلومة وبدون ذنب اقترفوه أو حتى توجيه تُهَم لهم, بل يتم توسيعها،
والدليل على ذلك ما قامت به إدارة أوباما من تقديم استئناف ضد أحكام
أصدرتها المحاكم الأمريكية، والتي قضت بحق المعتقلين في رفع دعاوى قضائية
على سجنهم التعسفي، وكثيرًا ما يؤكِّد البيت الأبيض أن بمقدوره اعتقالَ أي
شخص يشتبه فيه بالقوة من أي مكان في العالم دون اللجوء لأي إجراء قانوني،
ثم إرساله إلى تلك السجون السرية.
------------------
تعليقات