تشيلي وهايتي.. قصة زلزالين
ترجمة: حسن شعيب
فجر
يوم 27 فبراير, ضرب تشيلي زلزال بدرجة 8.8 ريختر, أقوى 500 مرة من زلزال
هايتي الذي كانت درجته 7.0 ريختر، وأسفر عن مقتل حوالي مائتي ألف شخص الشهر
الماضي. الغريب في الأمر أن زلزال تشيلي كانت حصيلة عدد ضحاياه أقلّ بكثير
من زلزال هايتي ولا يتعدى المئات, كما أن المشردين أقل من هايتي، بل وقد
التقطت أجزاء من وسط تشيلي أنفاسها في غضون خمس ساعات.
مما
لا شك فيه أنه سيتمُّ طرح المقارنات بين كارثتي الدولتين في مؤتمر الأمم
المتحدة في نيويورك يوم 31 مارس، الأمر الذي من شأنه التشويش على تقديم
المساعدة لإعادة إعمار هايتي، وتعرف الحكومات المانحة للمساعدات مسبقًا
لماذا كان الدمار في تشيلي أقل بكثير عنه في هايتي؛ ذلك لأن الحكومة في
تشيلي تُرغم البنائين على التقيّد بلوائح صارمة في البناء, بينما في هايتي,
وبسبب الفساد والإهمال، فلن ترى لمثل هذه اللوائح وجودًا.
كما
أن تشيلي تحتلّ المركز 25, وهايتي في المرتبة 168 في قائمة الدول الأكثر
فسادًا التي وضعتها منظمة الشفافية الدولية، ومن ناحية أخرى فقد قامت
الرئيسة التشيلية ميشيل باشليت بالقيام بجولة في الشوارع للاطمئنان على
المواطنين فيما يخص مساعدة ضحايا الزلزال, في حين أن الرئيس الهايتي رينيه
بريفال ظل بعيدًا عن الأنظار لعدة أسابيع.
صحيحٌ
أن كلًّا من تشيلي وهايتي تقع فوق خطوط صدع متقلبة، إلا أن الحكومة
التشيلية كلّفت في العقود الأخيرة بالتدقيق في بناء المنشآت الجديدة حتى
تكون مقاوِمة للزلازل, كما طالبت باستخدام مواد كالمطَّاط، بجانب توفيرها
مزايا خاصة وإدراجها في التصاميم المعمارية للسماح للمباني بالانحناء أثناء
الاهتزازات بدلًا من الانهيار، وعلى النقيض تمامًا فإن هايتي تسمح
لمبانيها بالارتفاع دون استشارة المهندسين كما تنتشر الرشاوى التي يحصلها
المفتشون الحكوميون, بالإضافة إلى أن المنشآت تُبنى بالقليل من الأسمنت
المسلح، وتقام غالبًا على أساسات ضعيفة.
يقول
مايكل شيفتر, نائب الرئيس الأمريكي للحوار الداخلي للبلدان الأمريكية: "إن
المثال التشيلي سيشجِّع الجهات المانحة على استغلال هذه الفرصة للتعامل
بشكلٍ مختلف مع هايتي".
لكن
دعونا نكون منصفين, هايتي ليس لديها تجربة في التعامل مع الزلازل,
وبالتالي الاستعداد له, بعكس تشيلي، لذلك فإن المدافعين عن الجزيرة
الكاريبية, هايتي, يصرُّون أنها مقارنة غير عادلة بين دولة عاجزة كليًّا
مثل هايتي, وهي أفقر دولة في نصف الكرة الأرضية الغربي, مع دولة قادرة مثل
تشيلي, التي تمتلك أعلى معدل لإجمالي الدخل المحلي في أمريكا اللاتينية,
وتتأهب لتكون أول دولة في أمريكا الجنوبية تحصل على عضوية منظمة التعاون
والتنمية الاقتصادية, مقرها باريس، كما يرى هؤلاء المدافعون أن تشيلي
بإمكانها وضع الأمور في نصابها الصحيح لأنها أكثر تطورًا ونموًّا.
وهذا
خطأ, لأن العكس هو الصحيح, حيث أن تشيلي أكثر تطورًا لأنها تدير أمورها
على النحو الصحيح، كما ينطبق الشيء ذاته على البرازيل وأورجواي وكوستاريكا
وغيرها من دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التي قرّرت في القرن
الحادي والعشرين الانتهاء من إقطاعيات القرون الوسطى في مجتمعاتها، كما
أذعنت أن الدقة والانضباط, مثل سيادة القانون والمحاسبة والتعليم وتوفير
فرص لتنظيم المشروعات والكفاءة الإدارية لا غنى عن توفيرها, كذلك التوقف عن
تقديم الأعذار البالية مثل التهديدات الشيوعية والإمبريالية الأمريكية
لمنع التحديث للنظم السياسية والاقتصادية.
ونتيجةً
لذلك يتعين على المجتمع الدولي تقديم مساعدة أكثر شمولًا من ذي قبل لهذه
البلاد, لكن لا ينبغي تسليم هذه المعونات إلا بعد إقرار النخبة السياسية
والاقتصادية الفاسدة في هايتي أن الطريقة الظلامية التي كانوا يتعاملون بها
هي التي أوصلت الأمور إلي الانهيار, حيث قال رئيس الوزراء الهايتي جان
ماكس بيليريف مؤخرًا "أن الإصلاح لا بدّ أن يكون جزءًا من عملية إعادة
الإعمار".
ولم
يذهب بيليريف لإلقاء اللوم فقط على هؤلاء الفاسدين في وفاة أكثر من 200
ألف, لكنه أشار إلى هؤلاء الذين يشكِّكون في قدرة هايتي أن تشيلي لم تكن
داخل منظمة التعاون والتنمية لأكثر من 17 عامًا من 1973 إلى 1990، وكانوا
يعيشون في ظلّ ديكتاتورية وحشية، لذا فان الهايتيين سيكونون أكثر قدرة على
مضاهاة التشيليين إذا ما أُعطوا الفرصة لذلك.
------------------
طالع..المصدر
تعليقات