الانتخابات العراقية.. سحابة من الحيل القذرة
ترجمة: حسن شعيب
أعلامٌ
ملونة على أعمدة الإنارة، ولافتات تحمل صور المرشحين، وأحزاب أعلنت حالة
التأهب القصوى، وأخرى منهمكة داخل المطابخ السياسية للإعلان عن برامجها
السياسية، وحملة تقودها قنوات فضائية تهدف للترويج لكتل وأحزاب وشخصيات،
تضاف إلى أكثر من أربعين فضائية عراقية بدأت البث بعد الغزو الأميركي للعراق عام
2003.. هذا هو مشهد الانتخابات البرلمانية العراقية المقررة في مارس
المقبل، كما يظهر فوق الطاولة، لكن ما الذي يجري خلف الكواليس؟!
تلاعبٌ مستمر
جريدة "تايمز" البريطانية
قالت: إن العملية الانتخابية تظلها سحابة رمادية من الحيل القذرة, مستشهدة
بقول عضو البرلمان العراقي, مثال الألوسي: "هناك تلاعب خطير ومستمر
بالعملية الانتخابية, إنها ليست انتخابات, بل حرب". والجدير بالذكر أن ولَدَيْ الألوسي اغتيلا قبيل الانتخابات النيابية الماضية بالعراق عام ٢٠٠٥،كما تعرض هو لاحقًا لمحاولة اغتيال.
وأشارت الجريدة إلى بعض التجاوزات التي يقوم بها السياسيون لتدمير منافسيهم, حيث يُمثِّل القتل والابتزاز والفساد والترهيب جزءًا أساسيًا من العملية الانتخابية لاختيار المرشحين.
ومن
المقرر أن يُدلي العراقيون بأصواتهم في الانتخابات العراقية يوم 7 مارس
القادم, وهي انتخابات مليئة بالجدل والإثارة واستخدام الأساليب الماكرة
والخدع السياسية, فالسنة على سبيل المثال تخشى حرمانها من حقها الشرعي في
الترشح وإدلاء ناخبيها بأصواتهم.
دحر المنافس
مجلة "تايم" الأمريكية ،
لفتت الأنظار إلى أحد هذه الحيل التي يستخدمها الشيعة, وتتمثل في منع لجنة
المساءلة والعدالة, لجنة اجتثاث البعث, 499 سياسيًا عراقيًا من الترشح في
انتخابات مارس القادم, وهذا لا يعني فقط ما يلحق عملية المصالحة بين الشيعة
والسنة, ولكنه أيضًا يُلقي بالعملية الديمقراطية في حالة من الفوضى.
لذلك
تساءلت "تايم": هل يمثل إقصاء المرشحين السنة تعريض الانتخابات العراقية
للخطر؟ مضيفة: إن أكبر الأخطاء التي وقع فيها الاحتلال الأمريكي هو منعه
الأعضاء السابقين في حزب البعث من الانضمام للحكومة العراقية الجديدة, مما
سبب انصراف عدد كبير من الموظفين المدنيين والسياسيين عن العملية السياسية
بسبب كونهم بعثيين سابقين ومن السنة مما ساعد على توسيع الانقسام الطائفي
في المجتمع العراقي أدى في النهاية إلى اندلاع حرب أهلية.
ويُنظر
إلى هذه الخطوة على نطاق واسع من قِبل السنة باعتبارها محاولة من جانب
الحكومة التي يُهيمن عليها الشيعة للحد من المكاسب المتوقعة للسنة في
الانتخابات المقبلة, ولاسيما بعد إقصاء العديد من القادة السنة البارزين
مثل صالح المطلك, رئيس حزب ائتلاف علماني, ثم انسحابه من الانتخابات الى
جانب مقاطعة عدد كبير من السنة للعملية الانتخابية.
تدخل إيراني
أما صحيفة "الجارديان" البريطانية فقد
علقت على انسحاب المطلك من الانتخابات, بتخوفها من مقاطعة الانتخابات
البرلمانية بعد أن قام واحد من أبرز السياسيين السنة بسحب مشاركة حزبه في
هذه الانتخابات المقررة الشهر المقبل، ودعوته الناخبين السنة لمقاطعة عملية
الاقتراع، فى خطوة وصفتها بالكارثية, مشيرة إلى أن الإدارات الأمريكية
المتعاقبة كانت تدعم بشكل مدهش اتجاه منع البعثيين، إلا أنها ذكرت أن إقصاء
البعثيين من لجنة المساءلة والعدالة ما هي إلا محاولة إيرانية لتقويض
القوى السياسية السنية.
كما أكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن
الدعوة لمقاطعة الانتخابات سيكون لها أثر بالغ الأهمية في قلب المنطقة
السنية بالعراق، مثلما حدث عندما قاطع المسلمون السنة انتخابات عام 2005.
تباطؤ أمريكي
ومن ناحية أخرى, أبرزت مجلة "تايم" حيلة
أخرى تتبعها القوات الأمريكية في الانتخابات العراقية وتتمثل في إمكانية
تباطؤ خروج القوات الأمريكية من العراق تحت ذريعة توفير الاستقرار بعد
العملية الانتخابية. حيث قال مسئول عسكري كبير بالقوات الأمريكية: إن
القوات الأمريكية من الممكن أن تؤجل خروجها من العراق هذا العام إذا ما عمت
الفوضى في العراق عقب الانتخابات القادمة.
وأضاف
قائلاً: "إذا حدث أمر ما من الآن وحتى نهاية الربيع- مثل مشاكل تشكيل
الحكومة العراقية الجديدة بعد الانتخابات في الشهر القادم- فإن الولايات
المتحدة يمكن أن تبطئ خروجها ومعدل انتشارها إذا لزم الأمر".
توترات كردية
أما
في شمال العراق وبالتحديد في إقليم كردستان، فقد ألقى تغير الواقع السياسي
الكردي بظلاله على تشكيل التحالفات الكردية التي ستخوض الانتخابات
النيابية العراقية، خاصة أن قائمة التغيير رفضت وبشكل واضح الدخول في تحالف
موحد مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة رئيس الإقليم "مسعود برازاني"
وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة رئيس جمهورية العراق جلال طالباني
واللذين خاضا الانتخابات النيابية العراقية الماضية في قائمة موحدة حملت
اسم التحالف الكردستاني.
هذا
الرفض من قبل قائمة التغيير فتح باب التكهنات على مصراعيه، وأصبحت القائمة
لاعبًا أساسيًا مطلوبًا من القوى العراقية الأخرى خارج كردستان، فعلى سبيل
المثال جرت محاولات جادة من قبل المالكي لضم قائمة التغيير إلى تحالف دولة
القانون، خاصة وأن العلاقة بين المالكي والحزبين الكرديين الرئيسين يشوبها
قدر كبير من التوتر، إلا أن محاولات المالكي لم يكتب لها النجاح. أكراد
العراق، في الوقت نفسه، يناضلون من أجل السيطرة على النفط وسط كركوك
الغنية، ويأملون في المطالبة بالتعويض عن منطقة الحكم الذاتي في كردستان.
عراقٌ ممزق
وفي نهاية المطاف لن تكون نتيجة هذه الانتخابات إلا الفرقة وتمزيق العراق.. هذا ما أشارت إليه مجلة "ذي ستار " الكندية,
متسائلة: ماذا يفعل 29 مليون عراقي وهم يشاهدون بلدهم تتفكك جراء الحرب
والتطهير العرقي؟! ثماني سنوات مرت من الدمار والحرب والانقسام في المجتمع
والتشرذم عرقيًّا، حيث المدن السنية والشيعية والكردية التي كانت تعيش من
قبل جنبًا إلى جنب.
ليس
من المرجح أن تشهد هذه الانتخابات تغييرًا كبيرًا في البلد التي دمرتها
الولايات المتحدة وتدخلت بشئونها طهران والتي كان يحكمها من قبل السنة
ويديرها في الوقت الراهن الشيعة والأكراد, فالأمل في شفاء هذا البلد مازال
بعيد المنال, في ظل هذه الانتخابات التي تظلها سحابة من التلاعب والإقصاء
والتدخلات الخارجية والحيل.
---------------
طالع..المصدر
تعليقات