التعليم الإسلامي في الهند


ترجمة: حسن شعيب
كان طبيعيًّا, أن يبدأ التعليم الإسلامي بالهند في ذات الوقت الذي أُقيمت فيه المساجد (القليلة) هناك, وعلى رغم تطورِه على مدار آلاف السنين، والتركيز الكبير على التعليم الحديث, بقيَ نظام التعليم الإسلامي مزدهرًا وإن ظهرت بعض الاتجاهات الجديدة والحديثة، لكن المساجد ظلَّت هي المراكز التعليمية والثقافية هناك.
وبإمكاننا تقسيم التعليم الإسلامي في الهند إلى ثلاثة أنماط متميزة: هم أوثابولي (الكتاتيب) والـ "درس" والمدارس الدينية.
أما أوثوبالي (الكتاتيب) فهي لا تختلف كثيرًا عن نظيراتِها الموجودة في أي دول مسلمة، وهي عبارة عن فصول المدرس الواحد التي أُنشئت في مساجد الحي, حيث يقوم إمام المسجد بدور المعلم ويعطي التعاليم الأساسية الإسلامية لأبناء المنطقة. ويقوم الطلاب هنا بدراسة سُوَر القرآن الكريم وتلاوته وحفظ الأدعية وتعلم القراءة باللغة العربية، كما يتعلمون الصلاة بجانب معرفة التعاليم الأساسية الإسلامية الأخرى.
ولا يزال هذا النظام موجودًا إلى وقتنا الحالي, باعتباره مراكز للتعليم الإسلامي, ولكن تم تعديل هذا النظام بحيث يسمح للأولاد المسلمين بالحضور إما في فترة صباحية أو فترة مسائية، مع الانتظام في المدارس النظامية خلال باقي اليوم.
أَمَّا نظام "درس": وهو نظام لا يوجد مثلُه في مكان آخر غير الهند, فيعتمد أساسًا على كيفية استخدام الموارد المتاحة في المجتمع لنشر المعرفة. ويقام كذلك بالمساجد التي بها أكثر من طابق, فالطابق الأول تزدوج مهامه باعتباره فصلًا دراسيًّا في غير أوقات الصلاة, أما الطابق الثاني لتلك المساجد, فالغرض منه ليس فقط إقامة الكثير من العبادات والصلوات، ولكنه كذلك بمثابة مقرّ يتواجد فيه الطلاب باعتباره سكنًا واستراحةً لهم.
والميزَة الأخرى والمثيرة للاهتمام في هذا النظام, أنه بالمجان للطلاب, فهم يحصلون على التعليم المجاني من إمام المسجد، إلى جانب سكنٍ مجاني في الطوابق العليا، كما يعتبر هؤلاء الطلاب ضيوفًا على المنطقة حيث يقع المسجد، فإنه يتعين لذلك على كل بيت أن يكون مسئول عن طعام أحدهم، وفي مقابل الغذاء يقوم الطالب بتعليم صغار هذا المنزل، وبهذه الطريقة يضمن الاستخدام الأمثَل للموارد المحدودة وتصبح الأجيال الشابة تتدرب على العمل إلى جانب تحصيلها للتعليم الجيِّد.
وفي الغالب, ما زالَ هذا النظام مستمر حتى يومِنا هذا في جميع مساجد التي زرتها خلال فترة عملي في الهند, وقد وجدت فيها معلمًا واحدًا إلى جانب مساعده يقومان بإدارة أحد هذه الأماكن وبها حوالي50 طالبا, وعلى الرغم من ضآلة هذا المكان، نجد أن المكتبة تم ترتيبها بشكل متميز وجذاب حسب الفهرس وطبقًا للمراجع, إلى جانب أن بها ثلاثة حواسِب لتعلم مبادئ استخدام الحاسوب وتعلُّم كيفية استخدام مختلف البرامج.
وحتى وقتٍ قريب, كانت هذه الأنظمة تخدم المجتمع بشكل جيد, ولكنه كان بحاجة إلى التطوير والتحسين مع الظروف المتغيرة وهذا ما أدركَه الدعاة المسلمون سريعًا، من ناحية, قاموا بتحسين مقاييس التعليم والتدريس في النظامين السابقين إلى جانب تحسين أوضاع المعلمين الذين يعملون في هذه المؤسسات المجتمعية القديمة، ومن ناحية أخرى، العمل على إنشاء مدارس إسلامية كبرى تمتلك مدرِّسِين متخصِّصِين ومنهجًا دراسيًّا متطورًا.
ويأتي بعدَ ذلك دور المدارس الإسلامية: في عام 1911، أُنشئت مدرسة "مادنول العلوم" في مدينة كانانور, وفي الوقت ذاته تقريبا بدأ مولانا خليل حاجي التعليم العالي في مدرسته، وأطلق عليها "كلية دار العلوم العربية"، وقدمت هذه المدرسة لأول مرة العديد من المواضيع الجديدة واستخدام طرق التدريس الحديثة.
وكان تأسيس الكلية الإسلامية في شانثبورام قبل نصف قرن بمثابة خطوة جريئة في نظام التعليم, للجمع بين المواد الإسلامية والعلوم الحديثة، والذي شمل الصحافة والاقتصاد الإسلامي والعلوم السياسية والفلسفة والدين المقارن.. وغيرها, وأطلقت عليها الجامعة الإسلامية مؤخرًا بعدما قام العلامة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي بتدشينها.
وحسب ما أبلغني المسئولون هناك أن لديهم 8777 مدرسةً دينيةً مسجَّلة ويتعلم بها مليون وخمسة وثلاثون ألف طالب، ومعظم هذه المدارس الدينية من الكتاتيب وبعضها من نظام "درس", وأن لديهم مائة ألف مدرس عامل في هذه المدارس الدينية، كما أن لديهم حوالي 106 مفتشين يجوبون المدن الهندية وهم في حالة تنقل دائم ومستمر للتحقق من جودة التعليم التي يجري تدريسُها في المدارس الإسلامية، كما أخبرني المسئولون أيضًا أن الكتب المدرسية هناك تجري ترجمتُها باللغة الأُردية.
وقد تطوَّر نظام التعليم الإسلامي كثيرًا حتى وصل إلى إنشاء مؤسسة "دار الهدى"، ذات رؤية جديدة, أنشئت في عام 1986، وتعني دار الهدى إلى جانب عددًا من المؤسسات الفرعية برعاية الطلاب المتميزين بعد انتهاءهم من التعليم الابتدائي. حيث إنهم يدرسون التعاليم الأساسية الإسلامية ويتقنون كذلك دراسة المواد الحديثة الرئيسية مثل الدراسات الاجتماعية والتاريخ واللغة الإنجليزية، ويحصل خريجو مدرسة "دار الهدى" على درجة الدكتوراه بعد ذلك من الجامعات المختلفة.
وبذلك يكون نظام التعليم الإسلامي في الهند قد قطع شوطًا طويلًا منذ الأيام الأولى للنظام "أوثابلي" (الكتاتيب), وبدلًا من أن يستبدلَ النظام القديم بشيءٍ جديدٍ، فقد قامت العقول اللامعة في الهند بالانكفاء على تراثِهم القديم تقوم بتنقيحِه وتطويره بما يتناسب مع المستقبل، وهذا –قطعًا- ما ينبغي على المسلمين من جميع أنحاء العالم الاحتذاء به لتطوير التعليم فيها. 
--------------
طالع ..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء