الحركة الإسلامية تتمدَّد داخل إسرائيل


ترجمة: حسن شعيب

بعضُنا لا يستسيغ فكرةَ وجود حركة إسلامية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948, ويندهش عندما يعلم أنها تعمل وفقَ القوانين الإسرائيلية، ويحمل أعضاؤها جوازات سفر إسرائيلية، بل ويشغل بعضهم عضوية البرلمان (الكنيست) الإسرائيلي، وهي بذلك تُعدُّ لغزًا محيرًا لدى الكثيرين، في هذا الصَّدد تناولت الكاتبة الإسرائيلية دينا كرافت النفوذ الذي اكتسبته الحركة الإسلامية داخل إسرائيل، وهذه ترجمة المقال:

في مدينة أم الفحم, حان وقت صلاة الظهر في هذه المدينة العربية الإسرائيلية, حيث نرى خليطًا من أكوام الأحذية الرياضية الخفيفة تتراكم خارج أبواب المسجد في الطابق العلوي من مدرسة العلوم الثانوية الخاصة.
في الداخل، نشاهد الفتيان يؤدون صلاة الظهر وراء مدرِّس الرياضيات، حيث يقفون في صفين على سجَّادة خضراء لينة، ويركعون في انسجام تام. وتعتبر هذه المدرسة الثانوية التي تكلفت 5.8 مليون دولار لبنائها، أحد أكبر المدارس العربية في إسرائيل التي تمتلك مختبرات الفيزياء والكيمياء، واستطاعت الحركة الإسلامية الاستحواذ عليها.
ومثل هذا الدعم – توفير احتياجات المجتمع التمويلية والتي لم تلبِّها الحكومة الإسرائيلية – هي إحدى طرق الحركة في الحصول على السلطة والنفوذ بين 1.2 مليون فلسطيني داخل إسرائيل.
من جانبه أكد يوسف جبرين، وهو أحد سكان أم الفحم ومدير منظمة "دراسات"، غير الربحية والتي تدافع عن حقوق المواطنين العرب داخل إسرائيل في المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية: "هذا الخواءُ والفراغ بين المواطنين والحكومة فتَحَ الباب أمام الحركة الإسلامية في تقديم الخدمات واعتبارها بديلًا قويًّا".
ويمكن أن يُنظَر لتأثير الحركة الإسلامية – لا سيما الموجودة في الجناح الشمالي، والتي تدعو للتمسك بالعقيدة الإسلامية وللعزلة الاجتماعية عن إسرائيل عمومًا – بالتحوُّل إلى زيادة ممارسة الشعائر الدينية بين بعض المواطنين العرب في إسرائيل، ومعظمهم مسلمون.
ويقول المحللون: إن أكثر العناصر تشددًا في الحركة هي دعوتها لتكوين شكلٍ من أشكال القومية، والتي تعمل بشكل نشط لمناهضة إسرائيل وتطرف المواطنين العرب في إسرائيل، ويقارن نهجَها في الخدمة الاجتماعية بما تقوم به حركة حماس، والتي اعتمدت في الأساس على قاعدة مماثلة من تأييد الشعب الفلسطيني عن طريق توفير الخدمات الاجتماعية ولا تقدمها حركة فتح المهيمنة على السلطة الفلسطينية.
ومن قاعدة قوتها ونفوذها في أم الفحم تعمل الحركة الإسلامية في إسرائيل على دعم رسالة الفخر بالجذور العربية الإسلامية، والتي يمكنها التغلب على مشاعر المواطنة من الدرجة الثانية بين المواطنين العرب في إسرائيل.
والحركة الإسلامية في إسرائيل تنقسم إلى جناحين: الجناح الشمالي، الذي يتحاشى العملية السياسية الإسرائيلية ويدعو أتباعَه للامتناع عن التصويت في الانتخابات الإسرائيلية، أما الجناح الجنوبي، فهو ممثّل في الكنيست الإسرائيلي.
وقال الشيخ إبراهيم صرصور, عضو الكنيست الذي يقود حركة الجناح الجنوبي: إن الحركة الإسلامية في الشمال والجنوب تجتمع على هدفٍ واحد هو "بلورة الهوية الدينية والقومية للأقلية العربية داخل إسرائيل".
أما ممثلو الجناح الشمالي, فقد رفضوا محاولات "وكالة البرق اليهودية" لإجراء مقابلات معهم. ولكن الشيخ رائد صلاح، الزعيم الرئيسي للجناح والعمدة السابق لمدينة أم الفحم، تصدّر اسمه عناوين الصُّحف قبل ثمانية أسابيع, عندما دعا أنصاره إلى "تحرير" المسجد الأقصى في القدس "بالدم والنار"، وهذا ما أثار الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين العرب.
وتُعتبر مدينة أم الفحم دليلًا واضحًا للغاية على نجاح الحركة, عند النظر إليها نجد أنها تنتشر بها قباب المساجد التي بنتها الحركة الإسلامية، فضلًا عن عشرات المشاريع الأخرى التي تمولها الحركة، بما في ذلك مراكز تعليم المرأة والجامعة لدراسة الشريعة الإسلامية.
وقد أصبح الشيخ رائد صلاح وجه الحركة الإسلامية, التي بدأت في الانطلاق بعد حرب عام 1967، وازدادت قوةً بعد ضرب مثال للثورة الإسلامية في إيران عام 1979, الجانب الأكثر إثارة للجدل, والذي عاد بعد الانتهاء من دراساته الدينية في الخليل ونابلس كزعيم للحركة, نتيجة للصحوة الإسلامية التي شهدتها إسرائيل عقب حرب 1967، والجدير بالذكر أنه كان قد اتهم بجمع الملايين من الدولارات لصالح حركة حماس، وهو الاتهام الذي نفاه صلاح نفسه.
ويقول إسحاق رايتر، وهو أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية والكلية الأكاديمية بعسقلان: إن هدف صلاح الأكثر اتساعًا هو ربط مسلمي إسرائيل بالعالم الإسلامي وجعل القدس دار المستقبل لإقامة الخلافة الإسلامية.
وينادي صلاح بأن أنشطة التنقيب الأثرية التي تقوم بها إسرائيل بالقرب من الحرم المسجد الشريف هي جزء من خطة يهودية سرية ليفقد المسجد الأقصى توازنه مما يؤدي إلى انهياره، وتمهيد الطريق لبناء الهيكل المزعوم المقدس، ولكن السلطات الإسرائيلية أنكرت هذه الاتهامات ووصفتها بأنها خيالية وتحريضيَّة.
وبعيدًا عن التوترات الدائرة حول القدس, تعاني مدينة أم الفحم بشدَّة من المشاكل الاجتماعية، حيث يوجد بها أعلى معدلات البطالة في البلاد. ويقول أحمد كبحا، مدرس الرياضيات الذي يؤم الطلاب في الصلاة: "إنه معجب بالحركة بسببها ما تقوم بها على مستوى القاعدة الشعبية".
وأضاف كبحا: "برغم أن الكثير ينحازون للتفكير فيها بطريقة سياسية, ولكني أرى أهميتها تنبع من مساعدتها في حل المشاكل داخل مجتمعنا، والقيام بفعل الخيرات في مساعدة الفقراء"، وهكذا تزداد الحركة الإسلامية قوةً ونفوذًا داخل إسرائيل ذاتها.
------------

طالع...المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء