غزة التي خذلناها


ترجمة: حسن شعيب


مَا الذي قدّمه الاتحاد الأوروبي على مستوى المسئولية الدولية لمساعدة 1.5 مليون شخص محاصرين في قطاع غزة بعد مرور عام على حرب إسرائيل الوحشية؟!
بينما تنعَمُ المدن في جنوب إسرائيل (زعمت إسرائيل أن صواريخ حماس دمرتها) بالازدهار، إلى جانب الزيادة العالية في عدد السكان والعقارات وبناء مراكز للتسوق والتنزُّه, بحسب ما ذكره تقرير, صدر بداية هذا الشهر, يرصد توابع وقف إطلاق النار منذ حرب إسرائيل على غزة في يناير الماضي، فإن غزة الجريحة ما زالت في حالة خراب ودمار، حيث آلاف العائلات المشرَّدة عرضةٌ لبرد الشتاء القارص، والكثير منهم يعيشون في خيام بجوار أنقاض منازلهم.
وبعد مرور عام على بداية الحرب الإسرائيلية الشرسة "عملية الرصاص المصبوب" فإن السبب في عدم القدرة على إعادة إعمار غزة لا يعود إلى عدم وجود أية تعهداتٍ دولية للحصول على المساعدة فحسب، ولكنه بشكلٍ كبير يرجع إلى السياسة التي تنتهجها إسرائيل.
الحصارُ هو سياسة الحكومة الإسرائيلية منذ منتصف عام 2007، والذي استحال معه إعادة بناء الآلاف من المنازل والمدارس والمستشفيات، ووفق تقريرٍ صدر هذه الأيام عن قيادة الجمعيات الإنسانية وحقوق الإنسان بما فيهم الإغاثة المسيحية، والمساعدات الطبية للفلسطينيين ومنظمة أوكسفام الدولية, وجميعهم سلَّطوا الضوء على العواقب المترتبة على سياسة الحصار، فإن مهمة إعادة بناء وترميم آلاف المنازل وحدها ستتطلب بالضرورة آلافَ الشاحنات من مواد البناء بسبب التدمير واسع النطاق للبنية التحتية, في حين أن إجماليّ عدد شاحنات مواد البناء التي دخلت قطاع غزة منذ نهاية الهجوم العسكري لا يتجاوز 41 شاحنةً فقط.
والأدهى من ذلك, أن عدم القدرة على إعادة الإعمار في غزة تفاقم كثيرًا، ويبدو أنه قد دخل في دائرةٍ مفرغة، وهذا بالطبع له تأثير خطير على الحياة اليومية والصحة العامة, فالحصار الذي تفرضُه إسرائيل يعني منع وصول الوقود والسلع التجارية والمساعدات الإنسانية إلى القطاع.
فلنأخذْ على ذلك مثالًا, الكهرباء في قطاع غزة.. تعرضت أجزاء من الشبكة الكهربائية للقصف خلال الحرب, لذلك فهي تتطلب إصلاحاتٍ عاجلةً وملحَّة, أضفْ إلى ذلك القيود المستمرة التي تفرضُها إسرائيل في توريد الوقود الصناعي إلى قطاع غزة، مما يعني أن 90% من شعب غزة يعانون من انقطاع منتظم للتيار الكهربائي يستغرق مدةً تتراوح ما بين أربع إلى ثماني ساعات يوميًّا.
على الرغم من تجميع 4 مليارات دولار تعهد بهم المجتمع الدولي لإعادة الاعمار, فالحصار يؤكد أن القليل منه تم إنفاقه، حيث أن القائمة التي تسمح إسرائيل بدخولها إلى غزة لا تتعدى حوالي 35 صنفًا من خلال نقاط العبور التي تسيطر عليها، وهذه قائمةٌ صغيرة للغاية بالمقارنة مع الآلاف من العناصر المطلوبة في ظلّ الظروف العادية، وهذا ما يعدُّ نقصًا حادًّا حيث الحاجة الملحة إلى إعادة الإعمار، وذلك لأن مواد البناء تكاد تكون غائبةً تمامًا عن قائمة إسرائيل.
من جانبِه, وصف جون جينج رئيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في غزة, الحصارَ بأنه "تسهيلٌ لعمليات تدمير مجتمع متحضر"،  وفي بيان للاتحاد الأوروبي صدر مؤخرًا, وصف الوضع الحالي بقطاع غزة أنه غير مقبول، ودعا إلى التنفيذ الكامل لاتفاق عام 2005 بشأن التنقُّل والعبور.
الآن, هو الوقت المناسب بالنسبة للاتحاد الأوروبي باعتبارِه أكبرَ شريكٍ تجاري لإسرائيل كي يزيد من مستوى خطابه والإصرار على إنهاء الحصار، بل ويتعين عليه أن يتمسك بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي.
وينبغي علينا ألا ننسى الحقيقة الجوهريَّة، وهي أن الغزو الإسرائيلي لغزة كان حملةً شرسة من قوة محتلة على شعب محتلّ, لذلك لا مجال في ذلك للنسبية الأخلاقية فيما يتعلق بقوانين حقوق الإنسان الدولية، وبالتالي تتحمل إسرائيل, باعتبارها قوة محتلة، مسئولية تأمين وتوفير الاحتياجات الأساسية لسكان المناطق التي تحتلها، وهذا ما تنصُّ عليه اتفاقية جنيف الرابعة بشكل واضح تمامًا, ويشكِّل الفشل في القيام بذلك انتهاكًا صارخًا للحقوق الأساسية للفلسطينيين.
تجدر الإشارة إلى أن مواطني البلدان المانحة, دافعي الضرائب, هم من يدفعون جزءًا كبيرًا من الفاتورة المترتبة على احتلال القطاع وحصاره, "وعلى مدار السنة الماضية, ارتفعت تكلفة الاتحاد الأوروبي وأعضائه في تكاليف الحصار إلى ما يقارب المليار يورو"، وتساعد الضرائب الأوروبية في بناء المدارس والعيادات الطبية، وإعادة البناء والإصلاح، ولكن الحصار المتواصل جعل ثمانين بالمائة من سكان القطاع يصطفون يوميًّا في الطوابير لتلقِّي الإعانات الدولية والمساعدة الغذائية.
في يناير الماضي، كتبتُ مقالًا أتساءل عما إذا كان باراك أوباما لديه الاستعداد لممارسة الضغط على الإسرائيليين في قضية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وعلى الرغم من خطاب الرئيس أوباما في القاهرة, الذي بدا رائعًا, فإن هذا لم يحدث البتة، وذلك أساسًا بسبب الخسائر المادية والعددية في أفغانستان التي تكبدتها، والسياسة الداخلية كذلك، لذا، فإن هذا يضع المزيد من الضغوط على الاتحاد الأوروبي.
وأتمنى أن تعترف السيدة أشتون، الممثل الأعلى الجديد للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أن الحرمان الذي يُعانِي منه سكان غزة يمثل تحديًا كبيرًا بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وينبغي على أوروبا أن تضطلعَ بدورِها في مساعدتهم على إعادة بناء حياتهم المحطمة.
الآن هو الوقت المناسب، بعد مرور عامٍ من الهجوم على غزة، فإني –وبوضوح- أقول للاتحاد الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء: إن حصار إسرائيل على غزة يجب أن ينتهي, ولا بد أن تكون الخطابات والكلمات التي تلقونها مصحوبةً باتخاذ إجراءات دبلوماسية فعالة: "إن الفشل في العمل على هذا النحو هو بمثابة خيانة للعائلات التي ما زالت تعيش فوق أنقاض منازلها، في الوقت الذي تقف فيه الشاحنات المحمَّلة بمواد الإعمار والبناء على بُعد أميال قليلة فقط في انتظار السماح لها بالدخول, وهذا بمثابة إرساء لبذور الصراع والمرارة في المستقبل.
---------------
طالع ..
المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء