إندونيسيا.. مهدُ "الإسلام الأخضر"


ترجمة: حسن شعيب
هل يمكن لتعاليم القرآن إنقاذ كوكب الأرض من الكوارث البيئية... هذا ما يعتقده الكثيرون في (إندونيسيا) أكبر دول العالم الإسلامي من حيث عدد السكان.
تنتشر مدارس "إيلموجيري" الإسلامية على هذه التلال النائية المليئة بالأشجار، في منطقة تحتفظ تقريبًا بنقائها الطبيعي وسط جزيرة جاوا الإندونيسية, وهي مدارس داخلية أُنشئت قبل ستّ سنوات لتقديم نوع جديد من المناهج الدراسية لحفنة من المزارعين المحليين.
وفي الوقت الراهن، يتدفق الطلاب المسلمون، صغارًا وكبارًا، من جميع أنحاء البلاد، على هذا البلد الصغير النائي، ومعظمهم يجلسون في الهواء الطّلق في المدرسة لسماع ما يقوله مؤسسها, نصر الدين إنشوري، والذي يقوم بدوره بتوعية المسلمين للقيام بمسئوليتهم لحماية البيئة.
وبينما يجلس الطلاب القرفصاء على التراب تحت مظلة الغاب وينفعلون بشكل محموم لما يسمعونه من الملاحظات, يقول إنشوري: "كمسلمين, لا بد أن نفعل شيئًا لحماية البيئة".
وفي مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في بالي عام 2007, برز دور مدرسة إيلموجيري، حيث احتفى المؤتمر بمؤسس المدرسة السيد إنشوري من أجل مجهوداته، ويرجع تدريس مناهج حماية البيئة في المدارس الداخلية الإسلامية الإندونيسية، والمعروفة باسم "بيسنتران"، إلى القرن التاسع عشر على الأقل، أي منذ وقت طويل قبل أن يلتفت أحد في العالم إلى مشكلة ذوبان القمم الجليدية وارتفاع مستويات سطح البحر.
وفي جزيرة مادورا في شرق جاوا توجد أيضًا مدرسة "جولاك جولاك"، والتي يُطلق عليها اسم "آل نوقيا"، والتي أُنشئت  عام 1887, ومؤسسها محمد شيارقاوي، والذي فتح هذه المدارس في الأصل لنشر الإسلام في هذه الجزيرة التي كان آنذاك ينعدم فيها القانون، وكثيرًا ما تتسم بأنها موطن للعنف.
شيارقاوي, سرعان ما اكتشف أن المشكلة الحقيقية هي البيئة المدمّرة للجزر الصغيرة, فكانت تعاني من الجفاف الحادّ بجانب نُدرة المياه العذبة، مما أجبر السكان على التقاتل من أجل الموارد, لذا قام شيارقاوي بتحويل تركيزِه إلى تعليم القرويين في الجزيرة، وذلك بمساعدة القرآن الكريم، كيفية الحفاظ على البيئة.
وأخذت هذه المدارس تنتشر، كما يقول أحمد سعيدي، مدير "معهد وحيد"، منظمة أسسها الرئيس الإندونيسي السابق عبد الرحمن وحيد الذي يعزّز التعددية الإسلامية والسلمية، والتي ظلّت تعمل على تشجيع "الإسلام الأخضر" داخل مدارس إندونيسيا الداخلية.
ويقول سعيدي: "هناك العديد من الآيات القرآنية التي تشير إلى حماية البيئة، وهناك على سبيل المثال حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يربط فيه بين حياة البشر وحياة الشجر فيقول: "لَا تَغُلُّوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَغْدُرُوا، وَلَا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلَا صَبِيًّا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَقْطَعُوا شَجَرًا"، وفي رواية: "وَلَا تَحْرِقُوا النَّخْلَ، وَلَا تُغْرِقُوهُ بِالْمَاءِ، وَلَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً مُثْمِرَةً، وَلَا تَحْرِقُوا زَرْعًا".
وفي الواقع، فإن نشأة الإسلام يُعتقد أنها اعتمدت في صدر الإسلام على حاجة المسلمين إلى الحفاظ على الموارد الشحيحة.
ويقول سليم علي، عميد الدراسات العليا في مدرسة روبنشتاين للبيئة بجامعة فيرمونت: "إن ظهور الإسلام بوصفه الدين المنظم في البيئة الصحراوية العربية، لذا كان هناك اهتمام كبير بالقضايا البيئية في الأخلاقيات الإسلامية، وهناك تقديس للطبيعة تنبع من التنفيذ العملي للتعاليم الإيمانية".
وظلت مدرسة "جولاك- جولاك" الوحيدة من نوعها لأكثر من قرن, إلا أنه في السنوات الخمس الأخيرة فقط زاد  الوعي العالمي بتغير المناخ والقضايا البيئية الأخرى، واتخاذ "الإسلام الأخضر" على أنه أصل لهذه التوعية.
وقد تزايدت أعداد المنضمين المهتمّين بمدرسة "جولاك- جولاك" من 1200 إلى 6500 طالب، وقام عدد من علماء البيئة الجُدد بفتح مدارس خاصة بهم في المدن بجميع أنحاء البلاد.
وهناك حاليًّا شبكات متنامية من مدارس "بيسنتران" التي تدعو إلى النمو، مما يجعل إندونيسيا رائدةً غير متوقعة في حل مشاكل البيئة الإسلامية، وقد بدأت الحكومة الإندونيسية -اعترافًا منها بالفوائد المحتملة من وجود هذه المدارس البالغ عددها حوالي 17000"بيسنتران" تستند بشكل ما على برنامج لحماية البيئة- العمل بفاعلية لتعزيز المناهج الدراسية من هذا القبيل.
وفي وقت سابق من هذا الشهر, أعلن غوستي محمد حتا, وزير الدولة للبيئة, أن نحو 90 مدرسة من المدارس الداخلية الإسلامية "بيسنتران" في جاوا الوسطى ستشارك في برنامجه التجريبي الجديد "بيسنتران الأيكولوجية"، مع الأمل أن يتم توسيع المجال ليشمل مئات آخرين في السنة المقبلة.
ويقول حتا: إنه يوجد حوالي 4 ملايين طالب يواظبون على حضور مدارس "بيسنتران", والتي تعدّ أكبر شبكة للمدارس الداخلية الإسلامية، يمكنهم الاستفادة بما تعلَّموه عند العودة إلى أوطانهم.
ويقول علي: "تعتبر إندونيسيا بالفعل هي الرائدة عالميًّا في هذا المجال"، مضيفًا أن الإسلام ينتشر عمومًا عن الديانات الرئيسية الأخرى في الدعوة للمبادرات البيئية، وقد بدأت بالفعل في الظهور للعلن نتائج دراسات مدارس إيلموجيري في مجال البيئة.
فمنذ وقتٍ ليس ببعيد, كان هذا التلّ قد تجرَّد بسبب قطع الأشجار، وهذا بدورِه يُفسح المجال لسلسلة من الانهيارات الأرضية التي محت قرًى مجاورة.
ويقول وارديو, طالب بمدرسة إيلموجيري: "أتذكر هذه القصص التي كان يرويها لي والدي عن تلك الانهيارات الأرضية"، "أما الآن، يعلمنا نصر الدين أنه إذا كان علينا أن نقطع شجرةً، فينبغي علينا زرع فسيلتين".
في غضون عدة سنوات من تأسيس المدرسة، استطاعت المجتمعات المحلية الزراعية الصغيرة التي تديرها "إعادة الخضراء" للتلال بأكملها، وهذا ما يقوم به تلاميذ إنشوري حاليًّا بزرع آلاف الأشجار كل عام.
-----------------------
طالع .. المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء