مسلمو سويسرا.. نظرة من الداخل


ترجمة: حسن شعيب
في أَعقاب الاهتمام العالمي -والإسلامي على وجه التحديد- وما حدث في سويسرا مؤخرًا من قيامها بإجراء استفتاء حول حظر بناء مآذن المساجد في أواخر الشهر الماضي، وكانت نتيجته موافقة 57 بالمائة على الحظر، فكان حريًّا بنا أن نسلط الضوء على المسلمين في سويسرا، وما هي أصول الإسلام هناك وإلى أين وصل.
تعتبر سويسرا دولة فيدرالية صغيرة المساحة, حيث يبلغ عدد سكان سويسرا قرابة سبعة ملايين نسمة ويعيش معظم السكان في مناطق الهضبة السويسرية, ومن أشهر المدن فيها جنيف وزيورخ، إضافةً إلى مدن أخرى مثل بازل، ولوزان.
ويعرف عن سويسرا أنها دولة علمانية بطبيعتها ولا يوجد دين رسمي للدولة، ولكنها ما زالت تبدأ دستورها الفيدرالي بعبارة "باسم الرب", والمسيحية هي الديانة الشائعة فيها بكلا المذهبين البروتستانتي والكاثوليكي، ولكن الأغلبية في سويسرا هم من الكاثوليك بنسبة 41.8 بالمائة, أما نسبة البروتستانت حوالي 35.3 بالمائة، وهناك حوالي 11.1 بالمائة لا تدين بملة محددة، أما الإسلام فيشكل أتباعُه 4.3 وتتوزع النسبة الباقية على الجماعات المسيحية الأخرى وأتباع الديانات اليهودية والبوذية والهندوسية.
فالإسلام يعتبر أحد أبرز الديانات في سويسرا وثاني الديانات بعد المسيحية, حيث يعيش قرابة 400 ألف مسلم هناك من مجمل تعداد السكان، والجدير بالإشارة إليه أن الإسلام لا يعترف به رسميًّا برغم أن المسلمين منتشرون بشكل متساوٍ في مناطق سويسرا، خلافًا لما هو عليه الحال في الدول الأوروبية الأخرى.
وتعتبر أعلى نسبة من المسلمين بسويسرا توجد في مدينة بازل الناطقة بينما أقل نسبة هي بمدينة تيسينو.
وعند النظر إلى أعداد المسلمين هناك نجد أن الغالبية الساحقة من المسلمين في سويسرا بنسبة (88 بالمائة) ليسوا ذوي أصول سويسرية, في حين أن عدد المسلمين السويسريين هو أقل من 12 بالمائة من مجمل المسلمين في البلاد (حوالي 36 ألفًا من مجمل تعداد السكان)، حيث يعتبر معظم مسلمي سويسرا هم في الأصل من البوسنة والهرسك وكوسوفو وجمهورية مقدونيا وتركيا.
وصول الإسلام
ويرجع وجود المسلمين في سويسرا إلى هجرة عدد من المسلمين بعد سقوط الأندلس إلى أودية جنوب سويسرا فرارًا من الاضطهاد الديني، ثم وصلت سويسرا هجرات إسلامية في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الهجري.
وأخذ عدد المسلمين يتزايد في سويسرا نتيجة الهجرة إليها، أو لاستقرار بعض المسلمين بها، وكان عدد المسلمين بسويسرا في عام 1951م يقدر بألفين، ثم وصل عددهم إلى ثلاثين ألفًا، حتى وصل عددهم في الوقت الراهن بنحو أربعمائة ألف مسلم.
وفيما يتعلق بالهيئات والمنظمات الإسلامية في سويسرا فنجد أن سويسرا بها حوالي 210 مساجد ومركز إسلامي ومقرًّا للجمعيات الخيرية ومن هذه المنظمات "الرابطة الثقافية للمسلمات" بسويسرا و"المركز الإسلامي في لوزان" و"اتحاد رابطة المسلمين" وكذلك المركز الثقافي الإسلامي ومسجد جنيف وغيرها من المراكز والجمعيات الخيرية التي تقوم بالعديد من الأنشطة الإسلامية، ومنها النشاط الإعلامي الإسلامي لإبراز الصورة الحقيقية للإسلام، وتصحيح ما تراكم حولها من تشويه، وبذل الجهود للحفاظ على عقيدة الأقلية المسلمة بسويسرا، وتقديم التعليم الإسلامي المناسب لأبناء المسلمين، ورعاية الجالية المسلمة اجتماعيًّا، والمساجد والتي يوجد منها أربعة مساجد فقط له مآذن منها مسجد الأحمدية في مدينة زيورخ ومسجد جينيف ومسجدين في فينترتور ولوزان، وهذا الأخير شيّد في عام 2009 بعد عدة سنوات من نزاعات سياسية وقانونية, أما باقي المساجد فهي عبارة عن أماكن للصلاة.
التكوين الاقتصادي
وبوجهٍ عام، يعمل مسلمو سويسرا بمختلف المهن، بدءًا من المستويات الأكاديمية العلمية ووصولًا إلى الحرف والصناعات، وينقسم المسلمون إلى فئتين, الأولى منها وهي القوى العاملة من تركيا ومنطقة كوسوفا والبوسنة، ويقطنون مدينة زيورخ الكبرى وبازل وبرن, أما الفئة الثانية فهم المثقفون وأغلبهم من العرب والإيرانيين؛ وقد تمركزوا في غرب سويسرا.
وبرغم أن عدد المسلمين في البلاد يقارب 400 ألف فإن هذا العدد لم يتحول إلى قوة اقتصادية متماسكة تحمي المسلمين من أي قرارات توجه ضدهم، وعدم وجود ممثل رسمي لمسلمي سويسرا إلى الآن، ويغلب عليهم التشتت في منظمات عدة تتبع كل جالية بحسب انتمائها العرقي والمذهبي، وطبقًا لتقديرات غير رسمية يقدّر عدد رجال الأعمال المسلمين المقيمين في سويسرا والذين تفوق رءوس أموالهم عن المليون فرنك بحوالي ثلاثمائة، تركّزوا في المدن الكبرى مثل جنيف ولوزان وزيورخ وبازل وبرن.
جدل وتخوفات
وقد التزم رجال الأعمال المسلمون القريبون من دوائر صنع القرار السياسي في سويسرا الصمت حيال الكثير من الصعاب التي يعانيها المسلمون في سويسرا، ومنها بالطبع حظر بناء المآذن في الآونة الأخيرة ورفض السلطات السويسرية الموافقة على إقامة مركز ثقافي إسلامي بالعاصمة برن في عام 2007, وكذلك رفض السلطات منح إمام مقدوني في عام 2002 ترخيص الإقامة لرعاية شئون الجالية المسلمة وغيرها.
ويتخوف الكثير من رجال الأعمال من البوح بهويتهم الإسلامية أو العربية أمام الرأي العام؛ اعتقادًا منهم بأن ذلك قد يعرقل عملهم التجاري، وقد تزايد هذا التوجه خاصةً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.
وفي نهاية المطاف, فإنه ليس أمام الجالية المسلمة في سويسرا سوى التخلص من العُقد العرقية والتكاتف لحماية الأجيال المستقبلية، بعد أن بات واضحًا ما يُحاك لهم داخل المجتمع، ومن ثَمَّ ضرورة بناء واقع اقتصادي قوي ليكون هناك مستقبل أفضل للأجيال الشابة المسلمة حتى يمكنهم الدفاع عن الإسلام ورموزه.
------------------
طالع ..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء