حظر المآذن.. الوجه القبيح للعلمانية
ترجمة: حسن شعيب
في
يوم 29 نوفمبر، قام بعض الناخبين في سويسرا بالتصويت لصالح مشروع قانون
"مثير للجدل" يحظر بناء المآذن، وللمرة الأولى منذ أكثر من قرن، يتم تخصيص
تعديل دستوري في البلاد ليشير بوضوح إلى جوهر التمييز داخل المجتمع، وقد
أدان المسلمون ونشطاء حقوق الإنسان هذا الاستفتاء "المثير للجدل" باعتبار
أن وراءه دوافع عرقية، وأنه جزء من حملةٍ للطعن في الإسلام والنيل منه،
ووصفت منظمة العفو الدولية هذا القانون كذلك بأنه "انتهاك لحقوق المسلمين
في البلاد".
وكان
حزب الشعب السويسري "اليمين المتطرف"، والذي وصمه الكثير بالفاشية
والعنصرية، شحذ همم الناخبين خلال هذه الحملة بمئات الآلاف من الملصقات
التي تظهر العلم السويسري كقاعدة لبناء المآذن السوداء، على اعتبار أنها
صواريخ، وبجانبها سيدة ترتدي حجابًا أسود.
وعلى
الرغم من أن المخطط لهذه الحملة هو حزب الشعب "اليمين المتطرف"، والذي
يعتبر أكبر حزب من حيث الدعم الشعبي والعضوية في البرلمان، فإن مشروع
القانون حظي بدعم من اليساريين العلمانيين والليبراليين المنتقدين بشدة
للإسلام.
وفي
الوقت الذي ردَّدت فيه وزيرة العدل السويسرية إيفلين فيدمر شلومف الدعوات
من أجل الحرية الدينية للجالية المسلمة، واتحاد المنظمات الإسلامية في
أوروبا، وأعربت كذلك عن مدى خوفها من ردة الفعل الإسلامية المتصاعدة
والاحتجاجات العنيفة، اعتبر أوسكار فرايزنغر نائب حزب الشعب في البرلمان
مقارنة هذه التحذيرات من الغضب في العالم الإسلامي بالدعوات المستخدمة
للتهدئة مع أدولف هتلر والنازيين.
ومنذ
انهيار الاتحاد السوفيتي، وضع الإسلام كأيديولوجية في الصدارة للانتقاد
غير المسبوق من قِبل اليسار واليمين، فقد أُطلقت للحركة الدعائية المنظمة،
بقيادة أمريكا, العنان في منتصف التسعينيات لتشويه سُمعة الإسلام والتشهير
به وبالمدافعين عنه، والشاهد على هذه الحقيقة هو عنوان رئيسي لصفحة كاملة
ظهرت في صحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ 21 يناير عام 1996 يقول: "لقد ولى
الخطر الأحمر، ولكن ما زال الإسلام موجودًا".
وبعد
حفاوة الاستقبال الذي قوبل به الخوف من الإسلام في القارة الأمريكية، فإنه
يشهد مؤخرًا تصاعدًا في المنطقة الأوروبية، وخصوصًا بعد أحداث 11 سبتمبر,
و7 يوليو, كثفت صور التشهير بالإسلام بشكل متزايد وتوجيه سيل من الانتقادات
للمسلمين، ولا يعدّ التصويت السويسري غير مجرد مثال واحد يعكس تنامي
المشاعر المناهضة للإسلام في المجتمعات الليبرالية الغربية.
ونذكر من ذلك ما حدث في فرنسا،
حيث أُصدر قانون تمييزي عام 2004 يحظر على المسلمات ارتداء الحجاب في
المدارس والمكاتب الحكومية، وفي 22 يونيو 2009، أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا
ساركوزي أن "النقاب ليس رمزًا للدين، بل هو دليل على الخنوع". وقد تلت
تصريحاته إصدار بيان عن 65 نائبًا فرنسيًّا مفادُه أن المسلمات اللواتي
يغطين أنفسهن تمامًا يشكِّل تقويضًا لحقوق المرأة والتقاليد العلمانية في
فرنسا.
ولا يمكننا أن ننسى ألمانيا،
وما جرى من القتل الوحشي لمروة الشربيني (شهيدة الحجاب) في قاعة المحكمة
قد هزَّت العناوين الرئيسية في العالم الإسلامي، وقد أشارت هذه الجريمة ذات
الدوافع العنصرية الوحشية على العديد من المشاعر المتصاعدة المعادية
للإسلام في قلب أوروبا.
كما طرحت النائبة ماريا بويمر فكرة "عقد الاندماج" والذي ينبغي على كل المهاجرين توقيعه إذا ما أرادوا البقاء في ألمانيا.
وفي المجتمع البريطاني،
صارت "العنصرية المؤسسية" سمةً بارزة, حيث تمرير قوانين مكافحة الإرهاب
التي تستهدف المسلمين على وجه التحديد وتعطي هيئات تنفيذ القانون التفويض
في اعتقال أي شخص على أساس الاشتباه دون أي دليل لمدة 4 أسابيع.
أما السويد، فقد وصف جيمي إكيسون زعيم اليمين المتطرف "الحزب الديمقراطي" هناك المسلمين باعتبارهم "تهديدًا كبيرًا" على السويد، وفي هولندا ظهور دعوات لحظر القرآن الكريم, وفي الدانمارك
نشر الرسوم الكاريكاتورية سيئة السمعة للمرة الأولى والمسيئة للرسول صلى
الله عليه وسلم, وغيرها من الاعتداءات على الإسلام ورموزه في الدول
الأوروبية.
ومن
خلال هذه السياسات والممارسات، يتم تغذية مشاعر العداء للإسلام وتعمد
استفزاز المسلمين، لقد أصبح جوهر المجتمعات الديمقراطية الليبرالية في
الآونة الأخيرة هو الشك والتعصب والحقد على الإسلام، وصارت كراهية الأجانب
وادعاء الاستعلاء على غير الأوروبيين هو جزء من التقاليد الأوروبية,
والبوسنة وكوسوفا وغيرها دليل حيٌّ على ذلك.
كما
أبرز المناخ الحالي من الترهيب العديد من التصدعات الكائنة في النظام
العلماني وسخافة الانخداع بأوروبا العلمانية كمعقل للتسامح.
لقد
كشفت التناقضات داخل مثل العالم العلماني الأساسية, حيث يتم منح ترخيص
"حرية التعبير" لهؤلاء الذين يؤججون الدعاية ضد الإسلام في حين أنه يُنكر
على هؤلاء الذين ينتقدون الإمبريالية الغربية في العلن، وفي الوقت ذاته
يسمح هذا النظام العلماني لليبراليين المتعصبين من غلاة الأحزاب الفاشية
الوصول إلى السلطة السياسية بالاعتماد على سوء المعاملة والإهانات والسلوك
التمييزي، حيث يتعرض الأقليات للترهيب وحرمانهم من حقوق الإنسان الأساسية،
وتكوين القوالب النمطية السلبية يعتبر هامًّا، ولا يمكن للعلمانية البقاء
على قيد الحياة بدونها.
وفي
هذا الجو المتقلب، ينبغي على المسلمين ألا يظلوُّا صامتين بدافع الخوف أو
الترهيب, وكذلك يجب عليهم عدم اللجوء إلى العنف أو إهانة معتقدات الآخرين،
بل يجب عليهم الانخراط في النضال السلمي السياسي والفكري ضد الطريقة
الغربية, فالعلمانية تقف على أرضية مهزوزة وغير عقلانية.
ولم
يواجه المسلمون هذه المضايقات والإهانات على أيدي الليبراليين العلمانيين
إلا بعد سقوط الدولة الإسلامية، ولن يتم التغلب على هذه المظالم، مثل
الاضطهاد السياسي والقهر الذي يعاني منه المسلمون إلا بإقامة الدولة
الإسلامية.
وحتى
الآن، لا توجد دولة إسلامية يمكنها الوقوف إلى جانب المسلمين وتوفير
الحماية لحياتهم وكرامتهم ومعتقداتهم, لذا ينبغي على المسلمين الاستمرار في
نضالهم السياسي من خلال توليد الوعي بين الجماهير والتواصل مع الناس
لتحريرهم من الاجتياح العلماني، وذلك بإقامة دولة إسلامية في العالم
الإسلامي.
-----------------
طالع..المصدر
تعليقات