محاكمة القرن
ترجمة: حسن شعيب
لقد
أثارت جريمة مقتل الصيدلانية مروة الشربيني (شهيدة الحجاب) غضبًا عارمًا
بين المسلمين، لما حملته من وحشية مفرطة، وتسجيلها رقمًا قياسيًّا جديدًا
في أشكال العنصرية والتطرف، وتتلخص الحادثة -كما يرويها شهود عيان- في أن
رجلًا يحمل الضغينة والكراهية المترسخة للمسلمين قام بطعن الأم الحامل حتى
الموت أمام قاعة المحكمة المكتظة في ألمانيا، وقد تظاهر الآلاف في مصر
وإيران ودول إسلامية أخرى ضد هذا التصاعد المزعج لظاهرة الإسلاموفوبيا
والعنصرية في ألمانيا، غير أن الحادث قوبل باهتمام باهت من قِبل وسائل
الإعلام الألمانية.
الآن،
وبعد أربعة أشهر، ما يزال المسلمون في جميع أنحاء العالم يتابعون عن كثَب
محاكمة قاتل شهيدة الحجاب, فضلًا عن اهتمامٍ أكبر في أوساط الجالية المسلمة
في ألمانيا والبالغ عددهم 4 ملايين, وسط مخاوف بإصدار حكم لا يتناسب وحجم
الجريمة، مما قد يثير المزيد من الاضطرابات.
شهود عيان
وبدأت
المحاكمة يوم 26 أكتوبر في نفس مبنى المحكمة بمدينة دريسدن الذي وقعت فيه
جريمة القتل, وقد ارتدى المتهم (28 عامًا) قبعة، لونها أزرق داكن وغطى وجهه
بقناع أسود ونظارات شمسية ليخفيه، بينما كان يتمّ اقتياده إلى قاعة
المحكمة، ومحاطًا برجال الشرطة، وجلس وراء حاجز من الزجاج المضاد للرصاص،
وبدأت النيابة العامة في وصف كيف تعرضت الشربيني (31 عامًا) للهجوم، حيث
قالت: إن الصيدلانية مروة الشربيني مثلت أمام المحكمة يوم 1 يوليو للإدلاء
بشهادتها في جلسة استماع ضد "أليكس جورج"، الذي قدَّم استئنافًا لإدانته في
وقت سابق بتهمة التشهير والإساءة إلى الدكتورة مروة الشربيني بعد أن وصفها
بـ "الأصولية" و"الإرهابية" في الساحة العامة.
وقال
ممثلو الادعاء: إنه وبعد أن أدلت مروة الشربيني بالشهادة، اندفع أليكس
جورج إليها وطعنها 16 مرة على الأقل بسكين استطاع تهريبه إلى داخل المحكمة،
وقد طعن زوجها، علوي عكاظ، عدةَ مرات قبل أن يطلق عليه أحد ضباط الشرطة
النار، وظلَّت شهيدة الحجاب تنزف -وقد كانت حاملًا لثلاثة أشهر في ذلك
الوقت- حتى الموت، وابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات ينظر إليها.
دم بارد
وفي
هدوء وسكينة يحسد عليهما رجع عكاظ إلى المحكمة، وهو يمشي بمساعدة عكازين
بعد خضوعه لعمليتين جراحيتين، وعند إدلائه بشهادته, قال بصوت هادئ وهو
يسترجع الحادث: "كنا نتأهب لمغادرة المحكمة, ولكنه قام بالاعتداء عليها،
وأضاف: "عندما رأيته يحمل سكينًا، حاولت انتزاعها منه، ولقد تابع بطعن
زوجتي حتى عندما كانت ملقاةً على الأرض، وأشار عكاظ "أن ابنهما كان من
المفترض أن يكون في روضة أطفال في يوم الاعتداء لكنه كان مريضًا, وأرادت
مروة أن تأخذه معها إلى الطبيب بعد انتهاء جلسة الاستماع، وأكَّد قائلًا:
إن الصبي الصغير يفتقدها ويعاني كثيرًا".
ويواجه
أليكس جورج -الذي هاجر من روسيا في عام 2003 وحصل على الجنسية الألمانية
لأن لديه جذورًا عرقية بعيدة في البلاد- العقوبة القصوى وهي السجن مدى
الحياة إذا تمت إدانته بتهمة قتل الدكتورة مروة والشروع في قتل زوجها، ومن
جانبهم قال ممثلو الادِّعاء: إن ما حدث كان بدافع العنصرية عميقة الجذور في
المجتمع، وقال فرانك هاينريش المدعي للمحكمة: "إن المتهم طعن (الزوجين)
بسبب كراهيته الخالصة تجاه المسلمين وغير الأوروبيين، لقد أراد قتلهم".
مفاجأة مدوية
وأثناء
استجواب الشرطي الألماني, الذي أطلق النار على عكاظ, قال: إنه كان من
الصعب عليه تمييز الجاني لحظة الهجوم بسبب الاشتباك الذي كان دائرًا بين
الجاني أليكس دبليو وعلوي عكاظ، ولكنه أطلق عيارًا ناريًّا ليصيب فخذ زوج
مروة الشربيني الذي حاول حماية زوجته من طعنات الجاني.
ومن
المفاجأت توجيه رئيسة المحكمة الألمانية, التي تنظر قضية مقتل شهيدة
الحجاب, انتقادًا أحرج قاضية محكمة دريسدن, التي شهدت مقتل الشهيدة، وقد
بدا عليها الإحساس بالذنب لتجاهلها خطابًا خطيرًا يهدّد فيه المجرم أليكس
بقتل مروة، دون اتخاذها أي إجراء للحفاظ على حياتها، وفجَّر ممثلو الادعاء
في القضية مفاجأة مدوية قد تغير مسار المحاكمة، وتدين قاضية محكمة دريسدن
التي شهدت جريمة القتل، على اعتبار أن المحكمة كانت على علم بنوايا القاتل
بالاعتداء على الضحية.
وكشف
محامي الادعاء أن القاتل أليكس دبليو أرسل إلى الادعاء الألماني خطابًا
بتاريخ ٢٨ أكتوبر من العام ٢٠٠٨، أي قبل يوم وقوع الجريمة بثمانية أشهر،
تضمن إساءاتٍ بالغةً إلى الدين الإسلامي وتهديدًا صريحًا من أليكس
بالاعتداء على مروة الشربيني إذا شاهدها في المحكمة، وأكَّد أن الخطاب يثبت
تجاهل القضاة في المحاكمة الأولى في شهر يوليو الماضي، لما تتعرض له مروة
من تهديد صريح، وهو ما تبيَّن لهيئة المحكمة الحالية التي أبدت دهشتها من
تجاهل هذا التهديد.
وقال
كريستين أرفورت, خبير طبي أمريكي, وكان يدلي بشهادته في المحاكمة, أن
تشريح الجثة أظهر أن مروة الشربيني طُعنت 16 مرة، وتعرضت لإصابات خطيرة
للأجهزة الداخلية، بما فيها الرئتان والقلب.
انتظار العدالة
ويراقب
القادة السياسيون الألمان أيضًا الإجراءات وتداعيات المحاكمة بقلق, حيث
قال علي كيزلكايا، رئيس المجلس الإسلامي في ألمانيا: "ينظر السياسيون إلى
حادث اغتيال مروة الشربيني باعتباره قضيةً خارجية، ولكنه في الحقيقة شأن
داخلي، إن القضية توضح أن جزءًا من المجتمع الألماني لديه شعور بالكراهية
ضد الإسلام، وأنه لا ينبغي التقليل من شأن ذلك، لا بدَّ أن يعلم السياسيون
أنه يجب الاعتراف بالمسلمين باعتبارهم جزءًا من المجتمع الألماني على قدم
المساواة".
وبالرغم من ذلك فقد أكد أن لديه الثقة في نظام القضاء الألماني، وأنه واثق من صدور حكم عادل في القضية.
وإذا
لم يصدر هذا الحكم العادل، فإن البعض يخشى من احتمالية تكرار اندلاع
الاحتجاجات وأعمال الشغب التي اجتاحت العالم الإسلامي بعد نشر رسوم
كاريكاتورية تسخر من النبي محمد قبل عدة سنوات في الدانمارك، ويراقب العالم
الإسلامي هذه المحاكمة ويتمنى توقيع أقصى عقوبة على القاتل، الأمر الذي
يجعل النظام القضائي الألماني في موقف متأزِّم.
وقال
أيوب أكسل كولر، رئيس المجلس الأعلى المركزي للمسلمين بألمانيا: إن
المجتمع يتوقع إدانة "قوية"، وأضاف: "المسلمون هنا يتابعون المحاكمة
باهتمام كبير، ولا سيَّما لأن نساءنا وفتياتِنا خائفون ويشعرون فعلا
بالتمييز"، وفي مصر، حيث أطلقت وسائل الإعلام على الدكتورة مروة الشربيني
لقب "شهيدة الحجاب", يتوقع الناس "تحقيق العدالة بحزمٍ وسرعة، وإصدار حكم
يتناسب مع هذه الجريمة النكراء"، حسب ما قاله رمزي عز الدين رمزي، سفير مصر
في ألمانيا.
وبعد
تلقِّي أليكس جورج تهديدات بالقتل, على حدِّ قولهم, قامت السلطات في مدينة
دريسدن -على النقيض مما كان عليه الوضع في اليوم الذي قام فيه أليكس
بتهريب سكينة إلى نفس القاعة وقام بقتل مروة الشربينى- بفرض إجراءات أمنية
إضافية طوال مدة المحاكمة، وإغلاق الطرق المؤدية إلى مبنى المحكمة وحراسة
200 من ضباط الشرطة حتى يتمَّ التوصل إلى قرار المحكمة، والذي يتوقع أن
يكون غدًا 11 نوفمبر، ونظرًا للتوترات المتزايدة، فإن السلطات الألمانية لا
يمكن أن تتهاون هذه المرة.
.....المزيد
تعليقات