محاذير إنتاج فيلم للرسول (صلى الله عليه وسلم)
ترجمة: حسن شعيب
ليس ثمة شك في أن الفيلم الذي يخطط له منتج فيلم "ماتريكس" ليصور فيه حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لن يستطيع أن يوضح الإسلام كما قام به فيلم "الرسالة" منذ قرابة 33 عامًا.
طالع..المصدر
أتذكر
عندما اصطحبني والدي وكان عمري 8 سنوات لمشاهدة فيلم "الرسالة" الملحمة
التصورية لحياة النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- وقام بإنتاجه الراحل مصطفى
العقاد في عام 1976 فقد صار الفيلم, بعد الجدل الذي قوبل به, المفضل لدى
المسلمين في جميع أنحاء العالم، واستطاع الفيلم مع مراعاة احترام مشاعر
المسلمين فيما يتعلق بتجسيد شخصية النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- (عدم
تصويرها مطلقًا على الشاشة)، أن يبرز كذلك الدور الإيجابي للإسلام في تاريخ
العالم، وبوصفي كنت المسلم الوحيد في مدرستي، فقد كان الفيلم بمثابة مصدر
فخر لي؛ حيث ساهم في تعزيز هويتي وأوضح لي وضوح الشمس القصص التي كنا
نطالعها حتى ذلك الحين في كتب المسجد.
أما
الآن، فقد آن الأوان أن أرد الجميل إلى ولدي الذي قارب عمره الثماني سنوات
أيضًا، فقد ذكرت تقارير جريدة الجارديان البريطانية مؤخرًا أن باري
أوزبورن، منتج فيلمي "مملكة الخواتم" و"ماتريكس"، يخطط لإنتاج فيلم عن
النبي -محمد صلى الله عليه وسلم- باللغة الإنجليزية، ويأتي ذلك في أعقاب ما
تردد من تخطيط المنتج أوسكار زغبي في العام الماضي لإنتاج فيلم مماثل لما
أنتجه العقاد، والذي أثار ضجة وجلبة عارمة في السابق.
وبقدر
ما كنت أقدر وأشجع الاهتمام بصناعة الأفلام حول الإسلام أو المسلمين، ولكن
هذا الفيلم استوقفني برهة، فكما أخبر المنتج أوسبورن الصحفيين أن الهدف من
الفيلم جليًّا هو عبارة عن "إنتاج ملحمة عالمية ترمي إلى سدّ الفجوة بين
الثقافات" مضيفًا أنه "سيعرف الناس بالمعنى الحقيقي للإسلام".
ولكن
العالم الذي أُنتج فيه فيلم الرسالة كان مختلفًا تمامًا, وهذا لسببين, من
حيث التصور العام للإسلام وكذلك هذه النوعية من الأفلام التي تميل هوليوود
لإنتاجه في الوقت الحالي ومثل هذه الأفلام قد لا يكون لها التأثير الإيجابي
البالغ (في الغرب على الأقل) على حسب ما يراه المنتجون.
لقد
كان التعامل مع تحريم الإسلام تجسيد شخصية النبي (أو صوته أو حتى ظله) عند
إنتاج فيلم الرسالة بما يتناسب مع بساطة الجمهور والأحداث، أما جمهور
اليوم وكذلك الأحداث فلا يمكن لأي قدر من الرسومات الجرافيكية كبح جماح
مشاعر الجماهير الغاضبة في كسر حواجز ما يزيد عن 30 عامًا مرَّت على الفيلم
القديم دون تصوير الشخصية المحورية التي يدور حولها الفيلم، إن الأسلوب
التقليدي لتصوير النبي –جزئيًّا- دفع الفن الإسلامي نحو الحرفية والتصوير
الهندسي، لذلك قد يتعين علينا أن نقبل أن نقدمه كذلك.
وهذا
ليس فقط حول فنيات التصوير، وإنما يدور كذلك حول القصة، فالتوقعات لمثل
هذا الفيلم داخل الجمهور الغربي في الوقت الراهن سيختلف تمامًا عن الحقبة
التي شهدها فيلم "الرسالة"، عندما يكون الجمهور السينمائي لا يعرف إلا
القليل نسبيًّا عن الإسلام، فينبغي أن يتطرق هذا الفيلم في هذه الآونة إلى
الموضوعات المثيرة للجدل والمعقدة التي تمت مناقشتها حتى بين غير المسلمين
مثل سن السيدة عائشة عند الزواج بالنبي –صلى الله عليه وسلم- وكيفية
الانقسام بين السنة والشيعة وطريقة معاملة يهود قبيلة بني قريظة، وهذا ما
يعتبر درسًا تاريخيًّا من الممكن أن يشوه صورة الإسلام.
فمن
الممكن أن يتم تحليل هذه القضايا المعقدة بشكل صحيح في كتب التاريخ، ولكن
سيكون من الصعب أن نتخيل تناولها بشكل مفيد في فترة قصيرة من الفيلم،
فالمشاهد العادي، على سبيل المثال، من المحتمل أنه لن يكون قادرًا على
التوفيق بين المعارك العديدة التي قادها النبي من أجل البقاء والفتوحات مع
الموقف الحالي من قِبل القادة المسلمين بأن الإسلام لا يشكل تهديدًا للغرب.
وهناك
العديد من القصص الأخرى الغنية في التاريخ الإسلامي التي يمكن بسهولة أن
نتمكن من تحويلها إلى فيلم ملحمي وممتع، فقد كان مصطفى العقاد قبل أن يلقى
حتفه في حادث انتحاري بالأردن يخطط لإنتاج فيلم عن حياة صلاح الدين والحروب
الصليبية, يوضح فيه أن الإسلام يتمُّ تصويره في الوقت الراهن كدين إرهابي,
حيث أنه بسبب حفنة من الإرهابيين ينتمون إلى الإسلام يوصم الدين الإسلامي
كله بالإرهاب، وكذلك كما حدث في الحروب الصليبية ضد الإسلام.
بالإضافة
إلى صلاح الدين الأيوبي، هناك العشرات من القصص الأخرى التي لا حصر لها في
العالم الإسلامي-من أمثال استكشافات الرحالة العربي الشهير ابن بطوطة،
وتأثيرات الشاعر الفارسي الكبير "جلال الدين الرومي، ونوادر الفكاهي الملا
نصر الدين في القرن الثالث عشر- والتي لم يتم مشاركتها مع الجمهور الغربي
من خلال الفيلم، فلماذا يزعج إعادة صياغة فيلم كلاسيكي لذلك؟
وسوف
يحصل السينمائيون صناع الفيلم الراغبون في "تعريف الناس بالمعنى الصحيح
للإسلام" على درجة كبيرة من النجاح عند تقفي أثر فيلم الراحل العقاد..
-----------------------
طالع..المصدر
تعليقات