مسلمو أمريكا.. على خط المواجهة
ترجمة: حسن شعيب
مشاعر
الخوف والقلق اجتاحت الجالية الإسلامية في أمريكا فور انتشار خبر إطلاق
ضابط "مسلم" النار في قاعدة "فورت هود" العسكرية على زملائه، مخلفًا العديد
من القتلى والجرحى، المسلمون في جميع أنحاء البلاد أُصيبوا بالصدمة والغضب
والخوف من ردود أفعال انتقامية قد تُمارس بحق المسلمين، وقد عبّر العديد
من القادة المسلمين في أمريكا عن قلقهم من أن يكون الحادث أصعب امتحان
يواجهه المسلمون في الولايات المتحدة منذ هجمات 11 سبتمبر.
وكان
الميجور نضال حسن مالك، 39 عامًا -طبيب نفسي في الجيش الأمريكي- قد أطلق
النار في قاعدة فورت هود، مما أسفر عن مقتل 13 وإصابة 31 آخرين.
وقد
طالبت المساجد في واشنطن وشيكاغو وولاية كاليفورنيا بزيادة دوريات الشرطة
كإجراء احترازي خوفًا من ردود الفعل السلبية، كما حثَّ القادة المسلمون
الناس بتوخي الحذر، يقول "حسام عيلوش" مدير مجلس العلاقات الأمريكية
الإسلامية في جنوب كاليفورنيا: "هذه هي إحدى اللحظات التي يتعين علينا أن
نجلس وندعو الله أن يخرج المجتمع الأمريكي أكثر قوة وتماسكًا وتسامحًا،
مشيرًا إلى أن المنظمات الإسلامية قد تلقت عشرات التهديدات بالقتل
والكراهية عبر البريد الإلكتروني.
إدانات
وقد
أدانت مختلف المنظمات العربية والمسلمة في الولايات المتحدة الحادث، وقدمت
تعازيها لأسر الضحايا وشدَّدت على أنه لا توجد عقيدة سياسية أو دينية تبرر
مثل هذا الفعل، وسارع "إبراهيم هوبر" مدير الاتصال الدولي لمجلس "كير" إلى
تحضير بيان إدانة، في اللحظة التي عُرِف فيها اسم مطلق النار، قائلًا:
"عندما علمنا أن اسم مطلق النار مسلم، سارعنا إلى إرسال بيان الإدانة"،
والسبب في قلق "هوبر" هذا هو الخوف من أن ينعكس الحادث سلبًا على المسلمين
في الولايات المتحدة، وتابع: "هذا هو للأسف العالم الذي نعيش فيه الآن،
فالمسلمون متهمون بأنهم لا يدينون مثل هذه الأعمال، ونحن نريد أن نثبت عكس
ذلك".
وأضاف
هوبر الذي يخشى من انتقام جديد: "لقد شهدنا هذا من قبلُ، فكلما كان هناك
اعتداء أو هجمات من هذا النوع، فهناك احتمال لردود فعل انتقامية بحقّ
المسلمين".
وحذَّر
النائب الأمريكي "أندريه كارسون" -من ولاية إنديانا, وثاني اثنين من
المسلمين في الكونجرس- من التركيز على ديانة مُطلِق النار، بل ينبغي أن
يدور النقاش حول ما يتعلق بالصحة العقلية، وقال "كليم شاباز" المتحدث باسم
مسجد "محمد" في أتلانتا: إن الجالية المسلمة تشعر بالقلق أن يربط الأمريكان
بين الإسلام والإرهاب والعنف.
ذرائع
ورغم
كل هذه الإدانات من المنظمات الإسلامية, أصرَّ بعض الأمريكان على وصم
الدين الإسلامي والمنظمات الإسلامية وتورطها في الحادث؛ حيث وجَّه الكاتب
الأمريكي "ديف جاوباتز" الاتهام للمنظمات الإسلامية, زاعمًا أن الميجور
"نضال حسن" قد قام بهذا العمل بناءً على أوامر من حركة الإخوان المسلمين في
الولايات المتحدة (المدعومة بأموال مصرية وسعودية) وممثلها في الولايات
المتحدة مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير).
وأصدر
"جاوباتز" مؤخرًا كتابًا يحمل اسم "المافيا المسلمة: داخل عالم الجحيم
السري المتآمر لأسلمة أمريكا"، وحظي هذا الكتاب بإشادة أربعة من النواب
الجمهوريين.
وفى
مقابلة مع مجلة "فرونت بيدج" الأمريكية المعروفة بتوجاتها اليمينية
المناهضة للإسلام, قال جاوباتز: "إن نضال حسن استقى الأيديولوجية التي
قادته إلى هذا الحادث من مئات العلماء المسلمين والأئمة الموجودين في
الولايات المتحدة، واصفًا إياه بالـ "إرهابي" الذي يدعم أيديولوجية القاعدة
وحماس وحزب الله والإخوان المسلمين و(كير)، التي تقوم بإرسال الشباب
لتنفيذ عمليات قتل باسم الإسلام، وقد وصف "نهاد عوض" مدير (كير) هذا
الاتهام بأنه غير مسئول ولا يُؤخَذ له، وليس له وجود على الساحة الأمريكية.
وقد
استخدم سياسيون الحادث في التأجيج من المخاوف بشأن التطرف الإسلامي, حيث
طالب الكولونيل "إلين ويست" المتقاعد والذي يتنافس على مقعد في الكونجرس
بولاية فلوريدا، البنتاجون بالعمل في شكل أفضل للحيلولة دون تسلل المتطرفين
المسلمين, على حدِّ قولِه, إلى صفوفه.
وطالب
نهاد عوض المدير التنفيذي لـ (كير) "المسلمين الأمريكيين باتخاذ تدابير
وقائية مناسبة لحماية أنفسهم وعائلاتهم ومؤسساتهم الدينية من ردّ فعل سلبيّ
محتمل، وكشف عابد أيوب، المستشار القانوني للجنة العربية الأمريكية
لمناهضة التمييز، أن اللجنة تتلقى نحو 400 شكوى شهريًّا تتراوح من التمييز
في العمالة إلى التعرض للجانب العنصري إلى الاعتداءات اللفظية والبدنية.
دوافع
وعن
الدوافع المحتملة, ذكرت تقارير تعرُّض "حسن" لمضايقاتٍ عديدة بسبب دينه،
فقد قال ابن عمه: "إن حسن كان يعاني من سخرية زملائه بسبب كونه مسلمًا".
وأضاف "نادر حسن"، في مقابلة مع شبكة إن بي سي الأمريكية: إن حسن "كان
يتعرض للسخرية لكونه مسلمًا". وقال خاله: "إن ابن شقيقته كان يحب أمريكا
وأراد أن يخدم بلاده، لكن عمله كطبيب نفسي عسكري كان يدفع به إلى البكاء،
وذكر خاله "رفيق حماد"، ٦٤ عامًا، أن نضال كان مضطربًا من الناحية النفسية
بسبب عمله في معالجة الجنود الأمريكيين العائدين من مناطق الحروب، وأضاف:
شاهدته يبكي عندما كان يتحدث عن عددٍ من مرضاه، بعد عودتهم من ميادين
القتال، وكان يبذل جهودًا ليتمالك نفسه ويهدئ مرضاه الذين كان بعضهم بدون
وجوه والبعض الآخر دون أرجُل".
وكان
نضال أبلغ عائلته عن حادثة إيذاء، قذف خلالها أشخاص منزلَه بحفاضات أطفال
وعليها عبارة "هذا غطاء رأسك" في إشارة إلى الحجاب والكوفيات التي يرتديها
بعض المسلمين من الجنسين، وشوَّه أشخاص آخرون سيارته، ورسموا جملًا على
جانبها وكتبوا عبارة "جوكي الجمل" وهو تعبير عنصري للإساءة للعرب، وكان
يقابلهم بالعفو لأنهم جَهَلة وهذا مستوى فهمهم.
وقال
الكولونيل جون روسي المتحدث باسم قاعدة فورت هود للجيش الأمريكي، وهي أكبر
منشأة عسكرية في العالم: إن حسن لم يكن في وعيه وقت الهجوم لكن حالته كانت
مستقرة، وذكرت صحيفة "واشنطن بوست" على لسان مسئولين فيدراليين أنهم رصدوا
قبل حوالي ستة أشهر رسائل إلكترونية زاعمين أنها تعود لـ "حسن"، وتشير إلى
تعاطفه مع ما سموهم "الانتحاريين" ومع مأساة المدنيين العراقيين والأفغان
الذين يتعرضون للقتل جراء الحروب الأمريكية.
وقال
"محمد حسن", ابن عم آخر: "ربما كان السبب هو رفض الجيش الأمريكي السماح له
بمغادرة القوات المسلحة, حيث لَجَأَ إلى محامٍ قبل الحادث بأسبوع ليتسنَّى
له مغادرة الجيش كي يتزوج ويبدأ حياته، غير أن الجيش رفض طلبه وطلب منه
التوجه إلى أفغانستان".
وقال
عدد من جيرانه الجنود الذين تمت معالجتهم على يديه: "إن الرجل بدا شخصًا
لطيفًا، وغير مؤذٍ، وكان يقدم خدمات نفسية محترفة لكثير من الجنود، وساهم
في شفاء عدد كبير منهم".
وقال
"جوزيف كيني" أحد المحاربين القدامى في فيتنام: إنه من الصعب تفسير الآلام
الداخلية التي تسببها الحروب، كذلك من الصعب تفسير ما حدث في تكساس، وأوضح
الكاتب في مقال له بصحيفة "نيويورك تايمز" أن الحروب تتسبب في تعبٍ نفسي
في عقول الجنود لدرجة يصعب عليهم الشفاء منها، وأنه ما من طريقة لتفسير
"الكابوس" الذي حدث في قاعدة فورت هود في تكساس. وأشار كيني إلى احتمال
تأثر الطبيب النفسي بمآسي وقصص الجنود الذين أشرف على علاجهم، وأنه اضطرب
عقليًّا بسبب معاناة مرضاه ولم يَعُدْ يملك زمام السيطرة على نفسه.
وفي
مجلة "تايم" الأمريكية قالت نائبة رئيس الخدمات النفسية لشئون المحاربين
الدكتورة "أنطوانيت زيس": "إن كل من يتعامل مع المرضى الذين يعانون من
اضطرابات ما بعد الصدمة ويستمع إلى قصصهم لا بدَّ أن يتأثر بها كثيرًا"،
وفي نهاية المطاف فلا يزيد هذا الحادث على أنه عمل فردي لا يمثل سلوك
المسلمين في الجيش والمجتمع الأمريكي ولا بد من الإشارة إلى وجود حوادث
أخرى مماثلة في قواعد أمريكية والمتهمون غير مسلمين، وهذه ظاهرة أمريكية
ويكون القائم بها من أبناء الوطن، وكان الحادث يبرر على أنه حادث نفسي، أما
إذا كان من مسلم يصبح حالةً من العنف الموجه ضد الحضارة الغربية، ويصير
إرهابًا, فلا داعٍ لمن يحاربون الإسلام في أمريكا أن يأخذوا هذا الحادث
ذريعةً لمناهضة الإسلام والنيل من المسلمين.
------------------------
طالع..المصدر
تعليقات