مأساة الشتات الفلسطيني
ترجمة: حسن شعيب
يعيشُ الفلسطينيون وضعًا مأساويًّا في الداخلِ والخارج، فالأوَّلون يعانون من ويلاتِ الاحتلال، والآخِرون تائهون بين حلم العودة، الذي يغالبه كابوس الشتات.
في
تغطيةٍ لواقع الفلسطينيين المرير خارج الأراضي الفلسطينية قام الصحفي
الأمريكي "ديفيد صامويلز" والمراسلة السابقة لجريدة نيويورك تايمز "جوديث
ميللر" بنشر تقرير يصفان فيه ما يعيشه الشتات الفلسطيني من مأساة ومعاناة،
شأنهم في ذلك لا يقلُّ عما يعانيه الفلسطينيون في الداخل، متطرِّقين إلى
حقائق تستحق المعرفة، وتستلزم السعي لحلِّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
ويمضي
معدُّو التقرير قائلين: "من المفارقة, أن ينتقد السياسيون الأزمة السياسية
والإنسانية لحوالي 3.9 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية المحتلة
وغزة تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي, في حين أنهم يتجاهلون محنة حوالي 4.6
ملايين لاجئٍ فلسطيني أيضًا يعيشون في البلدان العربية، وعلى مدى عقودٍ مضت
كانت الحكومات العربية تبرِّر قرار الإبقاء على ملايين الفلسطينيين بدون
جنسية وفي مخيمات بائسة كوسيلة لممارسة الضغط على إسرائيل.
وأوضح
الكاتبان أنه خلال العقدين الماضيين, لم يعُدْ أحد من اللاجئين
الفلسطينيين إلى إسرائيل، سوى حفنةٍ قليلة من الموظفين العجائز الكبار في
السن، وذكر تقرير (مجموعة الأزمات الدولية) أن عدد اللاجئين يشكِّل قنبلةً
موقوتة, حيث التهميش والحرمان من الحقوق الإنسانية والاقتصادية الأساسية،
وحصارهم في المخيمات دون أي طموحات واقعية.
وقائع مزرية
وعند
الحديث عن المعاناة, نتذكر أنه قد طُرِد حوالي 250 ألف فلسطيني من الكويت
والدول الخليجية لمعاقبة القيادة السياسية الفلسطينية لدعمها صدام حسين،
وبالمثل فقد جرّد عشرات الآلاف من الفلسطينيين المقيمين في العراق من
ممتلكاتهم بعد حرب الخليج الثانية.
وفي
عام 2001 تَمَّ تجريد الفلسطينيين في لبنان من حقِّ التملُّك, أو نقل
ملكية ممتلكاتهم لأبنائهم، وكذلك إصدار قوانين تمنع مزاولتَهم مهنة الطب
والمحاماة والصيدلة وعشرين مهنةً أخرى، وحتى في مخيمات الفلسطينيين في
الأردن, أكثر الدول العربية المرحِّبة بهم, لديهم أسبابهم الخاصة بعدم
الشعور بالأمان في ظلِّ التهديدات الرسمية بسحب الجنسية الأردنية منهم،
ويشير التقرير أن رفض الحكومات العربية المنهجيّ لمنح اللاجئين الفلسطينيين
الحقوق الإنسانية الأساسية والذين يولدون ويموتون على أراضيها, إلى جانب
الطَّرد الجماعي الذي يتعرضون له من حينٍ لآخر, يذكِّرنا بما تعرَّض له
اليهود من معاملة في أوروبا خلال العصور الوسطى.
مفتاح التسوية
من
جانبه يقول "جيم دانيال كيرتزر"، سفير الولايات المتحدة سابقًا في كل من
مصر وإسرائيل، والمستشار الحالي لإدارة أوباما: "لقد أصَرَّت كل الحكومات
الأمريكية على التعامل مع ما يسميه أكثر القضايا حساسية في الصراع, ألا وهي
جعل الوضع الفلسطيني الحالي طبيعيًّا, من خلال حقِّ العودة إلى فلسطين، أو
توطينهم في بلدان أخرى، مضيفًا: "إن حلَّ مشكلة اللاجئين هي مفتاح تسوية
هذا الصراع، ولكن لا يعلم أحد ماذا نفعل لهم".
وقالت
الدكتورة "كرمة النابلسي"، ممثل فلسطين السابق لدى الأمم المتحدة: "لا
يمكننا تجاهل شعبٍ بأكمله بحجة أنه صعب المِرَاس أو مزعج"، وقد اشترك في
الفريق مع الدكتور النابلسي وزير الخارجية الإسرائيلي السابق (محب للسلام)
"شلومو بن عامي"، الذي تفاوض مع ياسر عرفات في اتفاقيات كامب ديفيد الفاشلة
عام 2000، وأكَّد أن إسرائيل قد أخمدت كل المحاولات التي تجعلها مسئولة عن
أزمة اللاجئين الفلسطينيين 1948م، وليس سرًّا أن بعض الأنظمة العربية كانت
ترى الفلسطينيين في ظلّ قيادة عرفات، كتلةً سكانية غيرَ مرغوب فيها قامت
بتدمير الأردن ولبنان.
وبعد
60 عامًا من الحروب الفاشلة، وانهيار عملية السلام، فقد حان الوقت لوضع
السياسة جانبًا والإصرار على احترام الحقوق الأساسية الإنسانية للاجئين
الفلسطينيين في الدول العربية.
ويتركز
الحلُّ العمليُّ لأزمة اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية في لبنان
وسوريا والأردن، فهذه الدول مجتمعةً تستضيف نحو 3 ملايين من اللاجئين من
إجمالي 4.6 مليون فلسطيني الذين يعيشون خارج الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي
الوقت الذي اختارت فيه كل هذه الدول أساليب قانونية وسياسية مختلفة مع
اللاجئين وذريتهم، فقد اشتركت جميعُها في الرغبة السياسية في هضم حقوق
الفلسطينيين، ومعاملتهم كضيوف غير مرغوب فيهم أو بوصفهم أدواتٍ تُستخدم على
نطاق أوسع في تحقيق المصالح السياسية, ونادرًا ما تكون أعضاء كاملي
العضوية في المجتمع.
في العراء
حقيقةً،
إن مستوى معيشة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قد تعتبر "كارثية ومفجعة"،
وبوصفه عضوًا في البرلمان اللبناني، أوضح "غسان مخيبر" في مقابلةٍ مع
مجموعة الأزمات الدولية، "تعتمد سياستنا الرسمية نحو الفلسطينيين بالحفاظ
على ضعفهم وفي الوضع الهشّ للتقليل من فرصهم للحصول على الجنسية أو تسوية
دائمة".
وتقول
"سحر الأطرش"، المؤلف الرئيس لتقرير مجموعة الأزمات الدولية بشأن اللاجئين
الفلسطينيين في لبنان: "لا وجود لوسائل التقدم الاجتماعي والاقتصادي داخل
مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وهم محرومون من الأمل، إنهم عرضة
للخطر على جميع الأصعدة سياسيًّا وقانونيًّا وطبيعيًّا، والوضع الراهن ليس
جيدًا بالنسبة للاجئين ولا للبنان نفسه".
وفي
سوريا لا يسمح للاجئين الفلسطينيين وأبنائهم بالتصويت أو حمل جوازات سفر
سورية, والوضع القانوني للفلسطينيين داخل سوريا ما حدده قانون 1956م، والذي
ينصُّ على أن يمنحوا "الحق في العمل، والتجارة، وخدمة وطنية، مع الحفاظ
على جنسيتهم الأصلية"، ويعيش أكثر من 100 ألف فلسطيني من حوالي 450 ألف في
سوريا في -أو حول- مخيم اليرموك، والذي أصبح منذ فترة طويلة وهو حي مجاور
لدمشق.
وفي
حين أن الفلسطينيين اندمجوا بشكل معقول في التنمية الاجتماعية السورية
والهيكل الاقتصادي، فهم ممنوعون من شراء الأراضي الزراعية وامتلاك أكثر من
بيت واحد، ويمكن للنسل الفلسطيني (الإناث فقط) أن يصبح مواطنًا سوريًّا عن
طريق الزواج برجل سوري، أما الذكور فهم ممنوعون حتى لو تزوجوا من سيدة
سورية.
دمج مقنع
أما
الأردن فهي الدولة العربية الوحيدة التي قامت بدمج أعداد كبيرة من
الفلسطينيين باعتبارهم مواطنين كاملي الحقوق، واليوم، تزايدت التوترات بين
ما يقرب من 2 مليون لاجئٍ فلسطيني من عدد سكان الأردن البالغ عددهم 6
ملايين نسمة، وأكبر تجمع للاجئين السابقين والحاليين في الشتات الفلسطيني,
مع مؤسسة "الضفة الشرقية"، قاد الكثير من الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية
للخوف من تجريدهم من الهوية الأردنية عندما أكد نايف القاضي وزير الداخلية
الأردني لصحيفة الحياة ومقرُّها لندن، أن بعض الفلسطينيين يمكن أن يتمَّ
تجريدهم من الجنسية، وهذا لمواجهة المخططات الإسرائيلية لتحويل الأردن إلى
فلسطين، وأضاف: "نحن نقوم بواجبنا الوطني، لأن إسرائيل تريد طرد
الفلسطينيين من وطنهم".
وتعني
الحياة بالنسبة لكثيرٍ من هؤلاء اللاجئين في الجزء الأدنى الاجتماعي
والاقتصادي في الأردن, بدون أوراق ثبوتية الاختباء من الشرطة التي تجوب
شوارع المخيم، ويصبحون تحت خط الفقر بإرسال أحد أبنائهم الثمانية أو العشرة
إلى الجامعة، فضلًا عن العمل في المهن الوضعية.
وقالت
"هبة", أم لثمانية أطفال, "يُشترط على بعض الوافدين الجدد التخلي عن
المسجد الأقصى للحصول على بطاقة الهوية الأردنية"، ويقول ابنها مصطفى, هزيل
يبلغ 20 عامًا: "نحن أردنيون, وهذا هو أفضل مكان في العالم" مشيرًا إلى
أنحاء الغرفة الفارغة إلا من السجاجيد والوسائد البالية المثقوبة التي ينام
عليها هو وأشقاؤه.
ويقول
عدنان أبو عودة فلسطيني عمل في الديوان الملكي الأردني وشغَل مناصب مهمة
في الدولة: "كلما اقتربنا من الحلّ أصبح المجتمع أكثرَ قلقًا".
وفي
نهاية التقرير, بدلًا من أن يظلّ الفلسطينيون في انتظار وساطة الأمريكيين
أو الدول العربية لفرض حلول عليهم، فينبغي عليهم أن يبدءوا في معالجة
قضاياهم الصعبة الكامنة في مستقبلهم السياسي والاقتصادي والقيام بحلّ مشكلة
اللاجئين الشائكة حتى تنتهي الأزمة الداخلية والخارجية.
-------------
طالع..المصدر
تعليقات