قصة حب في أنفاق غزة


ترجمة: حسن شعيب
للشباب الغزيّ الحق في الزواج رغم ما يعانونه من تحديات وصعاب.
هذه قصة زوجين من فلسطين عانَوْا كثيرًا حتى يمكنهم الزواج؛ فالرجل يعيش في قطاع غزة والمرأة في الضفة الغربية، وبَدَوْا كأن الحصار الإسرائيلي سيمنع زواجهما, لكن بعد ذلك خاطرت "مي" بحياتها زحفًا داخل نفق إلى غزة وانضمت إلى محمد، وهما يواجهان الآن مستقبلًا غامضًا مع بعضهما البعض.
عندما تلقى "محمد وردة" في البداية عروسته على ذراعيه قال "إنها تبدو خارجة لتوها من قبر تحت الأرض". لقد أمضى "محمد" ساعة تقريبًا جالسًا قلقًا أمام حفرة كبيرة في الأرض بغزة، في الوقت الذي كانت تزحف فيه "مي" تحت الأرض محافظةً على إبقاء عينيها مغلقة بسبب الرمال التي تهطل من السقف. وقد دفع عريسها 1500 دولار حتى يتم تهريبها عبر نفق من جانب الحدود المصرية إلى قطاع غزة، وكانت "مي" البالغة من العمر 23 عامًا تعرف طوال الوقت أن الإقدام على هذه المخاطرة قد تودي بحياتها.
لقد كان "محمد" صادقًا معها عندما أخبرها أنها ستواجه الكثير من المخاطر، وبداية هذه المخاطر هم المصريون الذين يحاولون قطع الأنفاق، أحيانًا عن طريق رمي قنابل الغاز أسفل الممر، وقد قُتل العشرات من العاملين في الأنفاق في الأشهر الأخيرة بسبب هذه الأساليب، علاوة على ذلك فقد كانت هناك غارات جوية إسرائيلية متواصلة (منذ أن فشلت إسرائيل في وقف التهريب عبر الأنفاق خلال حربها على غزة بداية هذا العام، فإن قوتها الجوية تقوم بالإغارة بشكل متقطع على الحدود مع مصر).
وبعد ذلك كان هناك خطر انهيار النفق, تقول "مي": "لقد كنت أعرف أنني قد أُدفَن حية في أي لحظة"، وتروي مي قصة عبورها النفق, فتقول: نزل رجل في حفرة بالأرض وأمرني بأن أفعل مثله، نزلت للحفرة في وضعية الانبطاح، كانت دقائق من القلق والخوف خصوصًا وأنك تشعر بأنك داخل قبر، نفق ارتفاعه 60سم تقريبا بعرض أقل من 80سم تسير منبطحًا خلاله لمدة 20-25 دقيقة بقليل من الأوكسجين ورائحة رطوبة تزكم الأنوف، حتى وصلنا إلى رفح الفلسطينية، وبعد انتظار ما يقرب من ساعة تحت الأرض كنت خارجة من النفق مترنحة بين ذراعي "محمد", الذي قال: "لقد أصابتني الصدمة وشعرت بالأسى لأنها مرت بهذه المحنة".
وتبدأ قصة "محمد" و"مي" ذات ليلة قبل ثلاثة أشهر, حينما تجمعت عائلة "وردة" بأكملها في شقة الأسرة المتواضعة في مخيم نصيرات للاجئين في قطاع غزة، وقد كان يجلس أفراد العائلة العشرة أمام أثمن ما بحوزتهم, ألا وهو كمبيوتر به كاميرا ويب يبقيهم على اتصال مع أقاربهم في الضفة الغربية.
وكان "محمد وردة", محمر الوجنتين, ممسكًا بالفأرة وقد ظهرت بنت عمه على الشاشة يحوطها أقاربها، وسألت "مي" الرجل الذي وافقت عائلتها أن يكون زوجها في المستقبل "لم هذا الحياء؟"، تمتم "محمد" قبل أن يتجاذب الآباء أطراف المحادثة وسألوه "هل وافقت؟" ابتسم كل من "محمد" و"مي" للآخر عن طريق كاميرا ويب، وأومآ برأسيهما بالموافقة، وقام الأهل بالتهليل فرحًا.
ويبدو أن قصة ارتباط "محمد" ببنت عمه تتكرر كل يوم في العالم العربي، إلا أن قصتهم تختلف عن العديد من الزيجات الأخرى التي تتم بسلاسة، وقد وقع كلاهما في حب الآخر في الأسابيع التالية لمشاركتهما عبر الإنترنت, وتعرفا على بعضهما البعض عن طريق الهاتف وكاميرا ويب والبريد الإلكتروني، وكانت السياسة تشكل حاجزًا أمام زواجهما على أعلى مستوى.
فقد أُغلِق قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي منذ أن انتصرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وفقًا للأمم المتحدة تعد غزة من أكثر المناطق كثافة سكانية على وجه الأرض حيث يحاصر مليون ونصف شخص. والحقيقة أن الفلسطينيين الذين يعيشون هناك ممنوعون من مغادرة قطاع غزة أو الانتقال إلى الضفة الغربية، وقد وصفتها الأمم المتحدة بأنها "عقاب جماعي".
وهذا يعني أنه إذا ما أراد الاثنان الزواج، فلا بد أن تغادر "مي" الضفة الغربية، وبالفعل فقد استقلت هي ووالدتها سيارة أجرة إلى الأردن ثم سافرتا إلى مصر، ثم كان عليها من الألم أن تودع والدتها على الجانب المصري من الحدود مع غزة, فهي لا تعرف هل يمكنها رؤية عائلتها مرة أخرى.
استغرق الأمر أربعة أيام، والآلاف من الكيلومترات لسفر "مي" من رام الله إلى غزة, وقد أوضح "محمد" قائلا: "بعد مشاركتنا على الإنترنت تقدمنا بطلب إلى الإسرائيليين خمس مرات للحصول على إذن للانضمام إلى "مي" في الضفة الغربية ولكن دون جدوى"، لذلك قرَّروا أنه سيتعين على "مي" المجيء إليه، كما يقول "محمد": "لقد كانت لديها الرغبة في القيام بذلك على الفور".
ووصفًا لبيت والديه فقد كان خاويًا من الأثاث بصرف النظر عن منضدة الكمبيوتر وخشبة عليها مطاط إسفنجي, وخلال النهار تعتبر الخشبة بمثابة الأرائك للجلوس وفي الليل تنام العائلة عليها، ويجلس محمد على أحد هذه المراتب.
قد ينظر المرء منا على أنها قصة رومانسية, حيث تغلب الحبيبان على الكثير من الصعاب حتى يكونا معًا، ومع ذلك فإنها في الواقع قصة محزنة لزوجين شابين يعانيان من الظروف التي من غير المرجح أن تتغير.
وعلاوة على ذلك، تبدأ حياتهم الزوجية بمخاوف مالية خطيرة, فقد دفع "محمد" أموالًا طائلة حتى يتمكن من تهريب "مي" عبر نفق، ويغطي تكاليف الزفاف والأثاث القليل في غرفة واحدة حيث يعيشان حاليًّا في منزل والدَيْ محمد, وهو أكثر مما يمكنهم تحمله، وكما قال "محمد": "أُدين بحوالي 4000 دولار وأنا لا أعرف كيف يمكنني سدادهم"، فراتبه الشهري الذي يتحصل عليه حوالي 250 دولار.
وتدريجيًّا بدأ فجر السعادة المتوهجة بين الزوجين الشابين يأفل, فقد شعرت مي بفقدان والدتها، وتقول: "لقد توفي والدي قبل أن أغادر المنزل بأربعة أسابيع، والآن فَقَدتْ والدتي ابنتَها الوحيدة"، كما فقدت وظيفتها في رام الله، كما تقول: "لم يكن لدي أي شك أنني لن أعيش حياة طيبة في قطاع غزة، ولكني لم أكن أتوقع أن تكون بهذا السوء".
وتبقى الإشارة إلى أن زفاف العروسين تم وسط القطاع، وبذلك يكون الشباب الفلسطيني قد قهر الحصار في رسالة واضحة للاحتلال بأنه شعب يحاصر الحصار.

----------------------
طالع..
المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء