الصُّومَالُ.. أَخطرُ بِقَاعِ الأرضِ!


ترجمة: حسن شعيب

الفوضى وحدها هي التي تحكم الصومال الآن؛ ذلك أنها لم تعرف الهدوء والاستقرار سوى ستة أشهر طوال العقدين الماضيين!!.
والآن, تعاني الصومال من فوضى لا نهاية لها تهدد المنطقة بأكملها, ويراقبها العالم مرة أخرى تحترق بالكثير من اللامبالاة.
عند الهبوط في مطار مقديشيو الدولي, فَإن أول ما يُطلب منك هو اسمك وعنوانك وعيار السلاح الذي تحمله! صدقوا أو لا تصدقوا, هذه كارثة عاصمة الصومال التي لا تزال وجهة عددٍ قليل من الرحلات التجارية.
سوف تلاحظ وجود حطام طائرة روسية تحطمت عام 2007 في الطريق للمطار، وبخلاف المطار الذي يمثل أكثر المعالم المذهلة في العالم للنزاع: فبعد تخطي طوبة بعد طوبة وميلا بعد ميلا نجد المباني المحترقة والمهدمة.
لقد مَزَّق العنفُ الصومالَ منذ انهيار الحكومة المركزية في عام 1991، وفشلت 14 محاولة لتكوين الحكومة في وقت لاحق, فعمليات القتل مستمرة، ومتواصلة، وكذلك العمليات الانتحارية, واستخدام القنابل الفسفورية, وقطع الرؤوس, وغيرها، وحتى صواريخ كروز الأمريكية التي تهطل من السماء.
ويمثل القراصنة تهديدا لتضيق الخناق على أحد أكثر الممرات المائية الاستراتيجية في العالم, وعلى خليج عدن والذي يمر منه 20,000 سفينة سنويًّا.
وقد خطف هؤلاء القراصنة المدججين بالأسلحة الثقيلة أكثر من 40سفينة في عام 2008, وكانت حصيلتهم من الفدية 100مليون دولار... القراصنة هم أعظم وباء في العصر الحديث.
وبعد أكثر من عشر رحلات إلى للصومال خلال العامين والنصف, عدتُ إلى بلادي لإعادة صياغة تعريف "الفوضى".
لقد عايشتُ الغضب الثائر في التمرد العراقي في الفلوجة، وقضيتُ ليلة هادئة باردة للغاية ومخيفة في الكهوف الأفغانية، ولكني لم أشعر بالخوف في أي مكان مثلما أشعر به في الصومال حاليًا, فمن المحتمل أن يتم اختطافك أو إصابتك بأعيرة نارية بسرعة هائلة قبل أن تمسح العرق من على جبينك.
وذلك نظرا لوفرة كمائن المستنقعات حول كيسمايو في الجنوب.... إلى المتاهات المهلكة في مقديشيو.... إلى وكر القراصنة في بوساسو على خليج عدن.
سنجد بكل بساطة أن الصومال أخطر بقاع الأرض.
وقد أصبحت الدولة بأسرها أرضا خصبة ومرتعًا لدعاة الحرب، والقراصنة والخاطفين، وصانعي المتفجرات، والمتمردين المتعصبين، والمسلحين والشباب العاطل المتسكع الغاضب الذي يعيش بدون تعليم.
لا توجد في الصومال منطقة خضراء, وبالطبع لا يوجد ملاذ آمن تحتمي في ظله إذا ما ألمت بك ضائقة أو كارثة... أنت في الصومال تعيش بمفردك.. وحيدا.. شريدا طريدا، وبالكاد تمتلك المستشفيات المحلية الأربطة للتعامل مع الجِراح!!.
وتمتد الفوضى الآن على طول الحدود الصومالية لإثارة التوتر في كينيا، وأثيوبيا، وإريتريا، ناهيك عن القراصنة الصوماليين في البحار، وقد يكون تصدير المشاكل والاضطربات مجرد بداية.
وتمتلئ البلاد بالمسلحين الذين لهم صلات بتنظيم القاعدة, وتحولت الصومال إلى مركز لجذب المتشددين على غرار أفغانستان من جميع أنحاء العالم. وهؤلاء سيعودون إلى أوطانهم في نهاية الأمر (إذا كانوا على قيد الحياة) وتنتشر بذلك روح القتل والدمار.
وبخلاف الأزمة السياسية في الصومال, فإن هناك ما يُساعِد على اكتمال نصاب الحروب, مثل التشرد والمجاعة والجفاف، والارتفاع الصارخ لأسعار المواد الغذائية، والرحيل الجماعي لعمال الإغاثة.
كل هذا يصطف مرة أخرى كما حدث في بداية عام 1990 حيث مئات الآلاف من الجائعين الصوماليين.
لقد وقفت على مدخل مبنى في وسط البلاد، وأنا أشاهد طفل صغير مريض مهلهل، وتحمله أمه وهي مشرفة على الموت، وملابسها كانت رطبة، وأنفاسها ضحلة.
وقد قال لي أحد العجائز: إنها لم تأكل منذ أيام وهي على وشك الموت.
إن الصومال على المحك, ولكن العالم مثلي يقف على مدخل لمشاهدة عقدين من الفوضى السياسية والاجتماعية التي لا تكبح جماحها, وغير واثق فيما يفعله.
فلقد لعنت التدخلات السابقة ومنها أمريكا التي تدخلت في الوقت الخاطئ مدعومة بدعاة الحرب، وكان نتيجة ذلك أن أصبحت الصومال مقبرة الفشل للسياسة الخارجية، والتي أدت إلى تمرد السكان وتطرفهم، وإلى تعميق حالة انعدام الأمن ودفع الملايين إلى حافة الجوع.
الصومال تعد مغالطة سياسية- فهي موحدة شكلًا ولكنها مقسمة من الداخل، فهي أكثر دول العالم تجانسًا حيث يصل عدد سكانها إلى ما يقرب من 9 إلى10 مليون نسمة تتقاسم نفس اللغة (الصومالية)، ونفس الدين (الإسلام السني) ونفس الثقافة ونفس العرق.
ولكن في الصومال تنقسم من الداخل إلى قبائل وعشائر، فالصوماليون يقسمون أنفسهم إلى عدد مذهل من العشائر والقبائل، والعشائر الفرعية.. وهلم جرا.
وهذا ما أربك الغرب للعديد من السنوات.
وفي نهاية القرن التاسع عشر قام الإيطاليون والبريطانيون بتقسيم البلاد بينهم ولكنهم لم يستطيعو أن يفرضوا على الصومال قوانينهم الغربية بالفعل، فشيوخ العشائر هي التي تقوم بحل النزاعات والخلافات.
ولقد نالت الصومال استقلالها عام 1960 لكنها سرعان ما أصبحت رهينة الحرب الباردة نظرا لوضعها الاستراتيجي في القرن الإفريقي حيث تقع قريبا من آسيا وإفريقيا.
وكانت روسيا تقوم بضخ الأسلحة إل الصومال ثم قامت أمريكا بهذا الدور حتى أصبح الفقراء ومعظمهم من الأميين يحملون الأسلحة ولا يعرفون لغة سواها.
ولكن المشكلة في الصومال بعد مرور 18 عاما من الفوضى, بالآلاف من القتلى,  ومع هذا الكم الهائل من المدججين بالسلاح التي ترتفع أعدادهم تارة وتنخفض تارة أخرى, فسيكون من الصعب للغاية تحديد قادة البلد الحقيقين, إن وجدوا على الإطلاق.
إن الصومال بأكملها في حاجة إلى بناء بنيتها التحتية والأساسية، وليست العاصمة مقديشيو القاحلة فحسب، فالدولة بأكملها تعاني من حالة قاسية، وذلك بعد الاضطراب الذي مر بها.
وسيكون على الصوماليين تنحية المصالح الضيقة والهزيلة للقبائل والعشائر, واعتناق فكرة الدولة الصومالية.
ونقول إذا ما حدث هذا, فسيكون بمثابة بداية جديدة، حيث يوجد جيل كامل تقريبا من الصوماليين ليس لديهم أي فكرة عن معنى الحكومة أو واجباتها.
لقد رأينا هذا الجيل ذو الأعين الزجاجية في جميع أنحاء الصومال, يقومون باللعب بالرصاص التي تملئ جيوبهم في زوايا الشوارع، وفي الجزء الخلفي للشاحنات الصغيرة, وفي أيديهم بنادق الكلاشينكوف في أي مكان يذهبون إليه.
ويعتبر القانون والنظام بالنسبة لهم مجرد أفكار نظرية، لكن القانون الوحيد الذي يعملون به على هذه الأرض هو كيفية التعامل مع السلاح.
-------------------
طالع ...المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء