تفاقم أزمة القراصنة.. لمصلحة مَن؟
ترجمة: حسن شعيب
ما
يُواجِهُه العالم من مشكلة القرصنة اليوم إنّما هو حصاد سَلْبِيّة المجتمع
الدولي تجاه ما مرّ به الصومال من العَجْز على توفير حياة كريمة للشعب.
أمّا تحرُّك المجتمع الدولي في هذا الوقت بإرساله قوات دولية إلى السواحل
الصومالية، فلا ندري أهو من أجل الحفاظ على الأمن هناك؟ أم أنه مُخَطّط
غربي آخر يسعى وراء تفاقم أزمة القراصنة في الصومال مِمّا يؤثر علي كثير من
الدول العربية والإسلامية في المنطقة؟
أدرك
المجتمع الدولي أخيرًا أنّ هناك مشكلة كبيرة في الصومال, الدولة التي
تُعانِي من لامبالاة الجميع فيما عدا بعض الدول المحيطة بها. ويهتمّ العالم
بأسْرِه بمشكلة انتشار القراصنة في المياه المحيطة بالصومال, والتي
تُعتَبَر بالتأكيد مصدر قلق للجميع، وسبب هذا الاهتمام والقلق هو أنّ
القراصنة بدءوا في تهديد الملاحة في الممرّات المائية الهامة. وهذا التهديد
تَطَلّب نشر القوات الدولية لحماية السفن والحدّ من القرصنة.
إنّ
الإجراءات التي قام بها المجتمع الدولي تجاه الصومال يُشبه التعامل مع
الآثار الجانبية للمرض دون علاج سبب المرض نفسه؛ فقد تَمّ اختطاف ناقلة نفط
سعودية وكانت تحمل رُبع إنتاج النفط السعودي قُبالة الساحل الكيني, ولم
تفعل القوات الدولية المنتشرة في المنطقة شيئًا، وفي الواقع فإنّ القوات
الدولية لن تُواجِه المشكلة وحدها.
وأنا
لا أعتقد أن أحدًا يُمكنه توفير حمايةٍ مُسلَّحة مستمرة على طول السواحل
الصومالية طويلًا. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا نتصدى لمشكلة الصومال
نفسها بدلًا من التصدي لأعمال القرصنة وحدها, وهي مجرّد أثَر جانبي للقضية
الحقيقية؟
أصلُ المشكلة
المشكلة
الأساسية هي أنّ الصومال تُواجِه عجزًا كاملًا لتوفير الحياة الكريمة
لمواطنيها؛ فالمواطنون الصوماليون يعيشون في الوقت الراهن بدون توفير ما
يكفيهم من الغذاء والأمن والدواء، فالصومال مرّت بحربٍ ضارية أوْدَت بحياة
عشرات الأفراد يوميًا. ودمّرت هذه الحروب الصومالَ وتَمّ دفن كل شيء بها,
وهذه الحرب استمرّت عشرين عامًا.
وأدّت
هذه المشكلة السياسية والإنسانية إلى نُزوح ملايين اللاجئين واللذين
تدفقوا إلى اليمن عبر البحر الأحمر وخليج عدن. وللأسف لم يَتمكّن سوى نصف
هؤلاء من الوصول إلى وِجْهَتِهم, أما الباقي فقد لقي حتفه في البحار، لقد
لجأ الصوماليون إلى هذا الخيار الصعب؛ للفرار عبر هذا السبيل من خُطورة
الموقف والذي خلق اليأسَ داخل قلوبهم.
وقد
علَّمنا التاريخ أنّه عندما تنهار الحكومات فإنّ هذا يقود البلاد إلى حالة
من الفوضى، وهذا ما حدث في العراق, علي سبيل المثال, بعد انهيار النظام.
الموقف ذاته حدث في الصومال مِمّا أدى إلى انتشار القرصنة, مع عدم وجود
سُلطة تستطيع السيطرة على الوضع.
المحاكم الإسلامية
منذ
انهيار حكومة محمد سعيد باري في عام 1991, لم تشهد الصومال أي استقرار
باستثناء فترة وجيزة تَوّلت فيها المحاكم الإسلامية السلطة، ورغم أنّ هناك
العديد ممن يختلفون مع المحاكم الإسلامية في قضايا عدة, إلا أنّها استطاعت
فرضَ النظام والأمن في الدولة، وكذلك أعادت توحيد مدينة مقديشو بعد الحرب
التي وقعت بين المحاربين القدامى وقادة المليشيات.
وتمكّنت
المحاكم الإسلامية أيضًا من الحدّ من القرصنة قُبالة السواحل الصومالية
وذلك قبلَ انهيار نظامها, والذي كان نتيجة التدخُّل العسكري الإثيوبي
بتوجيهٍ من الغرب. واستنادًا إلى هذه التجربة, فإنّ الحلّ الوحيد للقرصنة
هو حكومة وطنية قوية قادرة على السيطرة على الأراضي والسواحل الصومالية.
بالإضافة إلى ذلك ينبغي أن تكون هذه الحكومة قادرةً على حِفْظ الأمن والاستقرار, وإعادة إعمار البلاد المدمرة والتغلب على وَضْعها الحالي مما سيؤدي تلقائيًا إلى نهاية القرصنة.
الدعمُ الدولي
إنّ
تقديم الدعم للعملية السياسية في الصومال لن يُكلف المجتمع الدولي نصف ما
كلَّفه من الحماية المسلحة للسواحل الصومالية, وخاصة بعد أن تَمّ انتخاب
رئيس جديد وتَمّ توقيع اتفاقية مصالحة مؤخرًا بين الفرقاء الصوماليين.
وفي
هذه الحالة, فإنّ الخطة الإسلامية العربية سيكون لها الأثر الكبير في حثّ
المجتمع الدولي على تَبَنّي هذا الخيار, وخاصة بعدما أدرك العالم بأسْرِه
خطورة الوضع الراهن.
والجامعة
العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي تتعامل بحَذَرٍ عندما تتعلق القضايا
بالدول العربية والإسلامية مثل الصومال حيث إنّ جميع السكان من المسلمين.
ولذلك, فإنّ تطلُّبَ وضْعِ خطة إرسال قوات إسلامية إلى الصومال بعدما تَمّ
انسحاب القوات الإثيوبية كجزء من خطة السلام الشامل وإعادة إعمار البلاد.
في
النهاية أودُّ أن أقول: إنّ التظاهر بالاهتمام بسلامة المَمَرَّات البحرية
الدولية وإرسال القوات الدولية البحرية للمشاركة في الحدّ من القرصنة تهدف
فقط إلى تحقيق تعاظم التوترات والشرّ. فالتعامل بلامبالاة متعمدةٍ للوضع
الصومالي سيؤدي إلى تفاقم الأزمة, وخاصّة أننا لا نعرف كيف يُمكن لدولةٍ
مُنْهارة مثل الصومال أن تُؤثِّر على مستقبل العالم.
---------------
طالع. . المصدر
تعليقات