معتقل "باجرام".. الجحيم الذي تجاهله أوباما


ترجمة: حسن شعيب
أقفاصٌ وزنازين من السلك الشائك تم تكديس عشرات من السجناء داخلها، لهم من البلاط مِهاد ومن العراء غواش، ولأكثر من عام ظلوا يستخدمون الجرادل البلاستيكية لقضاء حاجاتهم  يتبرزون فيها ويتبولون...
 قد تتصور أنني أتحدث عن معتقل جوانتانامو، لكني - ولسوء الحظ - أتحدث عما هو أبشع، وهو معتقل "باجرام" حيث تحتجز الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 630سجين – أكثر مرتين من عدد المعتقلين في جوانتانامو – في القاعدة الجوية الأمريكية "باجرام" شمال كابول  في أفغانستان. وقد رفضت أمريكا الإعلان عن أسماء المحتجزين في  هذا المعتقل الرهيب، ومنع التقاط الصور له، ولو من مسافة بعيدة.   
شهادات من الجحيم
صحيفة ذا جارديان البريطانية، حاولت كشف بعض ألغاز "باجرام"، فنقلت عن سجينٍ فلسطيني يُدعي مصطفي، قوله: "قام ثلاث جنود أمريكيين بتعصيب عيني، وقيدوني وكبلوني وكمموا فمي وأجبروني على الانبطاح على طاولة وأخذوا يضربوني ولم أستطع التوقف عن الصراخ".
 وفي شهادة أخري لمعتقل أردني قال: "طوال فترة اعتقالي كان الجنود الأمريكيين يرهبونني بالكلاب ويجردوني من ملابسي تمامًا، و يتم تصويري في أوضاع مخزية و فاضحة ويزجون بي في الزنزانة مُعلقًا بالكلاليب والحبال، معصوب العينين، وأظل على هذه الحالة لمدة يومين".
أما ديلوار وهو مواطن أفغاني كان يعمل سائق أجرة وفلاح قبل أن يُقتل في سن 22 عامًا بسبب تعذيب الجنود الأمريكيين له في "باجرام" في ديسمبر 2002، حيث تم تكبيله وتقيده برسغيه لأربعة أيام. وبعد جلسة تعذيبه الأخيرة كبله الأمريكان وقيدوه في السقف، ومرت ساعات طويلة على هذا الوضع قبل أن يراه الطبيب ويؤكد أنه قد وافته المنية. 
مرة أخري أنا لا أتحدث عن جوانتانامو إنه (باجرام الرهيب).
وصمة عار
مع بداية العمليات العسكرية الأمريكية بقيادة بوش وتحت مسمي "الحرب على الإرهاب" تم اعتقال العديد من الأشخاص من جميع أنحاء العالم بذريعة توجهاتهم الإرهابية، وإرسالهم إلى معتقل "باجرام" في البداية باعتباره محطة اعتقال انتقالية.
وطبقًا لما قاله المحتجزون السابقون وجماعات حقوق الإنسان "كان العديد من المعتقلين يعاملون بوحشية وقسوة قبل أن يُكبَّلوا في الأصفاد والقيود ويتم شحنهم إلى سجن "جوانتانامو" سيء السمعة فيما يسمى بمعتقل الإرهابيين في الأسطول البحري الأمريكي في كوبا.
وبعدما أصبحت جوانتانامو – وهي مستعمرة لتنفيذ العقوبات لمئات الرجال المحتجزين بدون تهمة قانونية  وبدون إذن من أي محكمة ومبدئيًا بدون إذن للمحاميين – وصمة عار في جبين الأمريكان،  تعهد كل من أوباما وماكين في حملة العام الماضي للانتخابات الرئاسية بإغلاقه. وبعد أيام من توليه الرئاسة أصدر أوباما أمرًا بإغلاق معتقل جوانتانامو خلال عام, وبدأت إدارته في العمل على معالجة ما لاقاه المحتجزين هناك من معاناة ومأساة.
وبعد شهر من جعجعة الرئيس بإغلاق جوانتانامو , ما زالت إدارته الميمونة تتمسك بموقف إدارة بوش تجاه محتجزي "باجرام" بضرورة بقائهم في المعتقل دون أن ينالوا حقهم الشرعي من إذن لقاء المحامين والسماح لاستماع المحكمة إلى شكواهم.
آراء قانونية
وقياسًا على قرار المحكمة العليا- بحق معتقلي جوانتانامو - بالطعن في قضايا اعتقالهم أمام المحكمة الفيدرالية، ربط القاضي الفيدرالي "جون بيتس" قراره بقرار المحكمة العليا للاستماع إلى عدد من السجناء اللذين اعتقلوا خارج أفغانستان – على سبيل المثال في  دبي وتايلاند – وتم ترحيلهم إلى "باجرام" للاعتقال.
وأصدر القاضي جون بتيس في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي قرارًا بحق هؤلاء السجناء يؤكد أن حالاتهم متطابقة فعليًا مع حالات المحتجزين في جوانتانامو، وفي ذلك تأييد لحكم المحكمة العليا السابق.
وكتب بتيس في قراره "أن هؤلاء ليسوا مواطنين أفغان ولم يعتقلوا في أفغانستان ولكنهم اعتقلوا في أراضٍ أجنبية بعيدة عن الولايات المتحدة وتم إحضارهم إلى بلد آخر لاعتقالهم. والزعم أن محتجزي "باجرام" مختلفون عن المعتقلين بجوانتانامو لأنهم في مسرح الحرب ـ يبدو أنه يسخر خاصة من قرار بيتس ـ لاسيما وأن الحكومة الأمريكية ذاتها هي المسئولة عن أخذ هؤلاء المعتقلين إلى منطقة النزاع.
وأعلنت وزارة العدل أنها ستعيد النظر في قرار بتيس وستدرس الملف برمته ولكنها لم توضح ما إذا كان هناك احتمال لاستئناف القرار. وهذه هي  الخطوة الأولى لتحديد ما إذا كان – لأنه وبعد كل هذه السنوات لم نعرف بعد - معتقلي "باجرام" نقلوا من ثلاث دول أخري وليسوا مواطنين أفغان والتي من الممكن أن تتحملها السلطات الأفغانية .
وعود أوباما
لقد وصلت الاستراتيجية الجديدة لإدارة أوباما أوجها خلال رحلته الرئاسية الأولى في الخارج إلى تركيا حيث قام هناك بالاجتماع مع الطلاب في اسطنبول، وزار المسجد الأزرق التاريخي، وهو تحفة  فنية معمارية وتاريخية متعددة الثقافات. وعندما وقف أوباما متحدثًا أمام البرلمان التركي، أشار في خطابه إلى جذور عائلته المسلمة ونشأته في إندونيسيا، مؤكدًا أن "الالتزام بحكم القانون" هو الطريقة الوحيدة لتحقيق الأمان الذي ينتج عن سيادة العدالة على جميع الناس.
أما والآن قد أصبح أوباما في وطنه فعليه أن يفعل البر كما يأمر به الناس.
في الوقت الذي تستنكر فيه إدارة أوباما الظلم والمأساة في معتقل جوانتانامو فهي نفسها من تسمح باستمراره في "باجرام". حتى هذا الرئيس الذي يملك المواهب البلاغية لا يستطيع أن يضع بشكل أساسي جسرًا للهاوية التي تفصل بين كلماته وأفعاله.
لابد أن يغير أوباما دعمه غير المبرر لسياسة الاحتجاز غير المحدد والمنغلق، التي كانت إدارة بوش تنتهجها، والكشف عن مصير ما يزيد عن 600 شخص معتقلون في "باجرام", أفغانستان. بعضهم قد سجن لأكثر من خمس سنوات دون أن توجه إليهم أي اتهامات قانونية محددة.

--------------------
طالع.. المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء