كيف يرى العالم تركيا؟


ترجمة: حسن شعيب
باعتباري صحفية تركية تقوم بتغطية أخبار الولايات المتحدة لسنوات, فقد قضيتُ الأيام القليلة الأخيرة للرد علي السؤال الحتمي الذي يطرحه زملائي الصحفيون مرارًا وتكرارًا "هل تنظر أمريكا إلى تركيا على أنها جمهورية إسلامية معتدلة"؟
هذا الوصف ربما يقع على الآذان الأمريكية موقع المدح؛ أما في تركيا فهو إهانة بمنتهي الصراحة.
في عام 2004, قام كولين باول وزير الخارجية الأمريكية في ذلك الوقت بصياغة مصطلح "الإسلام المعتدل" ومن حينها اعتقد الأتراك أن واشنطن تقدر هويتة تركيا الدينية أكثر من ديمقراطيتها العلمانية؛ وهذا بالأحرى ما سيجعل تركيا حليفًا أمريكيًا محافظًا في العالم الإسلامي أكثر من انخراطها في الديمقراطية الأوروبية.
ويتساءل الناس هنا: "من يصف بلجيكا أو بريطانيا بالدولة المسيحية المعتدلة؟".
وقد زعم العلمانيون أن واشنطن ـ أو علي الأقل إدارة بوش ـ  تدعم حكومة حزب العدالة والتنمية ذات التوجه الإسلامي، ولذلك فإنها من المحتمل أن تقدم نموذجًا مسايرًا لباقي العالم الإسلامي.. وعلى النقيض، يكره الأصوليون الإسلاميون أيضًا مصطلح "الإسلام المعتدل" على اعتبار أنه يدل ضمنا على تصوير مائع للدين.
حتى إذا خرج باحثوا مؤامرة "الإسلام المعتدل", فصحيح أنه منذ تولي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان مهام السلطة في عام 2003، اعتبرت واشنطن تركيا "ازدواجية مبسطة": فالطبقات الفقيرة المتدينة يقودها حزب العدالة والتنمية مقابل نخبة صغيرة العلمانيين والجيش. ولأن الأمريكيين اعتمدوا على الأغلبية التي انتخبت الحكومة، فقد فقدوا التواصل مع بقية الأطياف.
ومما لاشك فيه أن الرئيس أوباما لُخِّص له الموقف، كما لُخِّص لوزيرة خارجيته هيلاري كلينتون قبل زيارتها لتركيا الشهر الماضي، ألا يتحدث عن "الإسلام المعتدل"، والرجل لم يفعل ذلك إلى حد بعيد، بل في الواقع فعل العكس. فالرئيس الأمريكي ـ  ذو البشرة السمراء الذي يحمل أباه اسمًا مسلمًا جعل من نفسه بطلاً شعبيًا هنا ـ خرج عن الطريق المرسوم له يوم الاثنين ليعترف بالتعددية التركية باختلاف ألوانها، مخبرًا أوروبا أنها بترحيبها بعضوية تركيا ستربح (هذا التنوع في العرقيات والتقاليد والدين).
وقد حددت زيارة أوباما إلى أنقرة عدة رسائل وإشارات رمزية وُجِّهَت إلى مختلف الأطياف ألوان التركية. فاجتمع مع قيادة الحكومة بالإضافة إلى قيادة المعارضة من الأحزاب العلمانية والقومية والكردية. وتعهد بدعم "رؤية أتاتورك لتركيا كديمقراطية ناجحة ومعاصرة"كما كتب في سجل زوار قبر مؤسس تركيا العلمانية.
مشكلتنا الأزلية على مستوى الهوية أننا نحن الأتراك أصبحنا مؤخرًا نفكر فقط في التناقضات، هل أنت علماني أم متدين, كردي أم تركي, أوربي أم شرق أوسطي؟!. وهذا ما جعل زائرًا شابًا أجنبيًا لتركيا يذكرنا –خلال زيارته الأولى إلى هنا - أننا كل هذا.. وأكثر.
بالطبع ليس الأمر كله ورديًا.. ففي خطابه أمام البرلمان التركي, طالب أوباما أنقرة بمواجهة حقائق مذابح الأرمن في عام 1915, والتي يعترض عليها معظم الناخبين هنا. ولا ننسي تلميح أوباما الموجز في البرلمان على  ضرورة أن تأخذ تركيا على عاتقها تنفيذ إصلاحات ديمقراطية، والتي تبدو غير كافية منذ عام 2007.
وفي الأحد الماضي دق تصويت الناخبين في انتخابات البلدية ناقوس الخطر؛ حيث أن غالبية المواليين للحزب انخفضوا من 47 % في العامين الأخيرين إلى 39% فقط.
وأظهرت هذه الانتخابات انقسام تركيا بين أربعة أطراف, هم: التحرريون في الخطوط الساحلية, والمحافظون في الداخل, والقوميون في الوسط, ةالأكراد في الجنوب الشرقي. وسوف تتزايد شعبية حزب العدالة والتنمية عندما يعترف بكل الأطراف ويقلل من إنكاره لهم.
ومن الرائع أن يقوم أوباما بتذكير الأوربيين بأن تركيا دولة أوربية، ولكن دعونا نتمنى أن يكون أيضًا تذكيرًا للأتراك أن الحصول على متطلباتهم يحتاج إلي بعض التسامح والإصلاح.
ويبقى في النهاية - مما لاشك فيه - أن هذه الرحلة عززت من شعبية أمريكا في العالم الإسلامي. 

-------------------
طالع.. المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء