التَّعليم الإسلاميُّ في سنغافورة
ترجمة: حسن شعيب
بعد
ابتداء اليوم بالصلاة والدعاء, يتوجَّه الطلاب في مدرسة "الإرشاد" الدينية
الإسلامية، هنا في سنغافورة، إلى دراسة العلم؛ حيث تتوجه الفتيات إلى معمل
الكيمياء، بينما يهتمُّ بعضُ الطلاب بدراسة اللغة الإنجليزية والحساب
والمواد الأخرى، في المناهج الدراسيَّة الوطنية.
ويقوم
المعلمون بحثِّ تلاميذهم على طرح الأسئلة والاستفسارات؛ لقياس مدى
إدراكهم. يقول رازق محمد لاظم، مُدير مدرسة "الإرشاد": إن المدرسة تُشبه
"أمريكان أيدول", (برنامج أمريكي شهير لاكتشاف المواهب).
وربما
تُعتبَر مفاجأةً أن تُشبه برنامجًا تلفزيونيًا أمريكيًا شهيرًا مدرسةٌ
إسلاميةٌ. لكنَّ قادة المسلمين في سنغافورة يروْن أنَّ مدرسة "الإرشاد",
بِتَوَازُنِهَا الدقيق بين الدِّرَاسات الدينيَّة والعلوم الدنيويَّة,
تُعتبَر بمثابة مستقبل التعليم الإسلامي, ليس فقط في مدينة سنغافورة، ولكن
أيضًا في جنوب شرق آسيا.
وقد
تبنَّت مدرستان في أندونيسيا بالفعل منهجَ مدرسة "الإرشاد"، وإدارتها،
وذلك بعد انْجِذَابِهَا إلى اعتبارها نموذجًا متقدِّمًا في التعليم
الإسلامي، فيما يَتَنَاغَمُ ويواكب العالَمَ المعاصر. فالبنسبة لهم, تُعتبر
مدرسة الإرشاد مواجهة للعديد من المدارس الدينيَّة التقليديَّة، والتي
تَعْتَنِي فقط بالتأكيد على الدراسات الدينيَّة.
وقال
السيد رازق موضحًا: إنَّ المدارس الدينيَّة التقليدية فشلت في مواكبة
العالم المعاصر، "وإنَّ المسلمين عمومًا يناضلون من أجل التعليم الإسلامي.
ولذلك ينبغي علينا أن نتعامل مع مُتَطَلَّبَات الإسلام كدينٍ شَرَعَهُ
اللهُ للبقاء؛ وذلك بالتفاعل مع المجتمعات والأديان الأخرى.
أما
اندريه ريني اندرياني (مبرمجة كمبيوتر سابقة، وهي من المؤسسين لمدرسة
"الإرشاد ساتيا" الإسلامية بأندونيسا) فقالت: "مازالت معظم المدارس
الإسلامية في أندونيسيا لا تَأْبَهُ بالعلوم الدنيوية: معتقدين أنَّ دراسة
المناهج الدينية تكفي".
وأضافت
السيدة أندريه: "إنهم يشعرون أنَّ التعليم التقليدي هو الطريقة المثلى
للأطفال, ولكننا نشعر أنه ينبغي علينا أن نُواكِبَ تطورات التكنولوجيا، وما
يجري حولنا في العالم".
وأشار
السيد رزاق ـ وهو أيضًا مسئول في المجلس الديني ـ إلى أن "المجلس الدينيَّ
الإسلامي في سنغافورة هنا ـ وهو الهيئة المَعْنِيَّة بتقديم المشورة
والنصائح للحكومة فيما يتعلق بالشئون الإسلامية ـ يُعطي مدرسة "الإرشاد"
موقعًا متميِّزًا ومرموقًا في المركز الإسلامي الجديد".
وكانت
مدرسة الإرشاد قد اخْتِيرَتْ في المرتبة الأولى من بين ستِّ مدارسَ
إسلاميةٍ، من حيث الأداء الأكاديمي الأعلى في البلاد، واحتلالها المقدمة".
ويقوم
الطلاب، البالغ عددهم 900 طالب، من المرحلة الإبتدائية حتى المرحلة
الثانوية، بدراسة المناهج الدراسية الوطنية، التي تُدَرَّسُ في المدارس
العامة في البلاد، علاوة على دراستهم التعليمَ الديني. ومن أجل التوفيق بين
المناهج الدينية والعلوم الدنيوية، فإنَّ مدة اليوم الدراسي في هذه
المدرسة تزيد ثلاث ساعات، عن غيرها من المدارس الأخرى.
وقال
محمد منير (32 عامًا, مُدرس كيمياء): إنَّ مُعظم تلاميذه السابقين التحقوا
بالكليات والمدارس والعلوم التطبيقية, بينما ذهب الطلاب المتفوقون إلى
الجامعة الوطنية في سنغافورة. وأضاف: "إن العديد منهم أصبحوا مُديرين,
وبعضهم يقومون بالتدريس، والبعض الآخر التحقوا بالخدمة العامة".
وفي
الكافيتريا, قال إيشاك بن جوهري, (17عامًا، والذي يُريد أن يكون مراسلًا
صحفيًّا): إن التوازن بين المناهج الدينية والعلوم الدنيوية سيساعد خريجي
المدرسة ـ "الإرشاد" ـ أن يعيشوا حياة سنغافورية متَّسمة بالقيادة،
بالمقارنة مع طلبة المدارس الأخرى.
ولقد
شهدت مدارس سنغافورة الدينية ـ تاريخيًا نجد أنها مدارس الملايو العرقية،
والذين يمثلون 14%من سكان البلاد ـ تزايدًا في شعبيَّتها في عام1990، لتجدد
اهتمامها بالإسلام.
لكنَّ
هذا الارتفاع, ضاعف من المدارس التي لديها سجل فقير في المواد غير
الدينية, ومعدلات الرسوب، وتخرج بعض الشباب الذين لا يمتلكون مهارات العمل
التسويقية، وهذا ما أَقْلَقَ الحكومة، مما جعلها تستجيب لذلك؛ بجعل التعليم
الابتدائي إلزاميًّا في المدارس العامة في عام 2003, والسماح باستثناءات
مثل المدارس الدينية, شريطة أن تُلبي المعايير الأساسية بحلول عام 2010.
وقال
مخلص أبو بكر, خبير المدارس الدينية في المعهد الوطني للتعليم, وكلية
المعلمين: "إنَّ هذا ما اضطر المدارس الدينية إلى تغيير مناهجها".
وفي
العام الماضي, ولأول مرة، طُلب من المدارس الستّ الإسلامية، أن تجتاز
اختبار المعايير الأساسية, ولكن اثنتين منها فشلتا في تحقيق معايير الحدِّ
الأدنى, بالرغم من أنه مازال لديهما عامان آخران متبقيان.
ولقد
فاق أداء مدارس الإرشاد المدارسَ الأخرى، وهي أول من قامت بتغيير مناهجها.
ولكن لا توجد لها أو لغيرها قائمة بالمدرسة أو الطلاب الأفضل أداءً من
قِبل وزارة التربية والتعليم في سنغافورة.
وقال
مخلص, وهو أيضًا كان عضوًا في لجنة إدارة مدرسة "الإرشاد" عام 1990-: إن
الطريق مازال طويلًا أمام المدارس الدينية لتلحق بركب الاتجاه السائد
للمدارس. وذكر أنَّ المدارس الدينية ستواجه مشكلة استقطاب معلمين مؤهَّلين؛
حيث يُعتبر المعلمون في سنغافورة, من بين أكثر موظفي الخدمة المدنية،
الذين يتقاضون أجورًا مرتفعة, وذلك لأنَّ المدارس الدينية تعتمد فقط على
رسوم التعليم والتبرعات.
وأضاف
أنه يَعتبر مدرسة "الإرشاد" لم تحقق المستوى المطلوب حتي يُنظر إليها على
أنها نموذج للتربية الإسلامية، ولكن بطريقة ما، فإنَّ هذا النظام الذي
تَنْتَهِجُهُ سيُمكِّنُها من تحقيق ذلك".
وقالت
نوردا مهاد, (44 عامًا): إنها كانت تريد أن تُرسل طِفْلَيْهَا الكبيريْن
إلى المدارس الدينية، ولكنها قَلِقَتْ بشأن جوْدة التعليم. ولكن مع تبنِّي
مدرسة "الإرشاد" الإسلامية المنهجَ الدراسيَّ الوطني, فإنها لم تتردَّد في
إرسال طفلها الثالث. وقالت: "إنهم هنا يُعلِّمون الطلاب العديد من الأشياء
الأخرى، غير الإسلام. ولذلك فإن الطلاب المسلمين سيكون لديهم إدراك أكثر عن
العالم الإسلامي والخارجي.
يُذكر أن مدرسة "الإرشاد" تقوم بإجراء محادثات من أجل تصدير نموذجها إلى الفلبين وتايلاند".
----------------------
طالع.. المصدر
تعليقات