الجسر التركي.
ترجمة: حسن شعيب
غالبًا ما كان يُشار إلى تركيا باعتبارها الجسر الذي يربطُ بين الغرب والشرق الأوسط – ولكنها الآن ربما يُنظر إليها أنها جسر العالم الإسلامي في أوربا.
أعطت
قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مطلع هذا الشهر، الاتحاد الأوربي فكرة عما
يمكن توقُّعه إذا ما وافقَ على عضوية تركيا. فغالبًا ما كان يُشَار إلى
تركيا باعتبارها جسر الغرب إلى الشرق الأوسط – ولكن وبعد صعود حزب العدالة
والتنمية الإسلامي إلى السلطة في عام 2002, فمن الممكن أن يُنظر إلى تركيا
باعتبارها أيضًا جسر العالم الإسلامي في أوربا. ومنذ انتهاء الحرب الباردة,
يواجه حلف شمال الأطلسي (الناتو) تهديدًا جديدًا في أفغانستان وإيران،
ولكن موقف تركيا في قمة الناتو أوجد شكوكًا حول الجانب الذي تقف فيه تركيا.
انضمت
تركيا إلى الناتو عام 1952 وكانت عضوًا وفيًا ومتزنًا. وقد أُنشئت منظمة
حلف شمال الأطلسي (الناتو) لصون الحرية والحضارة والتراث المشترك بين
شعوبها، وأسست على مبادئ الديمقراطية والحرية الفردية وسيادة القانون".
باختصار, تشكل الحلف للدفاع عن القيم الغربية. لكن القمة الأخيرة، التي
انعقدت بمناسبة الاحتفال بالذكرى 60 لإنشاء الناتو, أثارت سؤالًا ملحًّا
حول كيفية عمل تركيا بشكل ملائم لهذه المبادئ تحت قيادة هذه الحكومة
الحالية.
وفي
القمة، اصطدمت حضارتان. اعترضت تركيا بقوة (في نهاية المطاف, ولكن بدون
نجاح) على ترشيح رئيس الوزراء الدنمركي، أندرس فوغ راسموسن، لمنصب الأمين
العام الجديد للناتو؛ وذلك بسبب موقفه في عام 2005 من الضجة التي حدثت في
المجتمع الإسلامي نتيجة الرسوم الكاريكاتورية التي نشرتها صحيفة دنماركية
يومية تسيء إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
وبعد
فترة قصيرة من نشر الرسومات المسيئة، قام سفراء 11 دولة مسلمة، من بينهم
سفير تركيا، بكتابة خطاب إلى راسموسن يستنكروا فيه "حملة التشويه المستمرة"
في الدنمارك ضد الإسلام، وحذروا أن هذه الرسومات ستتسبب في ردود أفعال في
البلدان الإسلامية والجاليات الإسلامية في أوربا. كما طالبوا رئيس الوزراء
بـ "محاسبة كل المسئولين عن هذه الرسومات المسيئة بموجب القانون"، ونادَوْا
بعقد اجتماع عاجل. وقد تسلم رئيس الوزراء الدنماركي أيضًا خطابًا من أكمل
الدين إحسان أوغلوا، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والذي استنكر،
بطريقة مماثلة، حملة التشويه المستمرة ضد المسلمين ودينهم في الدانمارك.
وللأسف
جاء رد راسموسن على الخطابين مخيبًا للآمال؛ حيث قال: "إن حرية التعبير عن
الرأي واسعة النطاق، وأن الحكومة الدنمركية ليست وسيلة للتأثير على
الصحافة".
لم
يمضِ وقت طويل بعد ذلك حتى خرج علينا راسموسن في مؤتمر صحفي, وقام بتذكير
تركيا بأن أحد معايير التأهل لعضوية الاتحاد الأوربي هو أن يلتزم المجتمع
بالكامل مع مبادئ الديمقراطية, بما في ذلك حرية التعبير وحق الصحافة المطلق
في حدود القانون لانتقاد السلطتين الدينية والسياسية!
وكرر
أولي رين كبير مفوضي الاتحاد الأوربي ما قاله راسموسن عندما علق على
اعتراض تركيا على ترشيح راسموسن للمنصب. ووصف رين اعتراض تركيا "بالاعتراض
الأجوف". وأضاف أن هذا الموقف لا يبدو جيدًا من المنظور الأوربي؛ لأن حرية
التعبير هي مثل القيمة الأساسية, ومن جهة أخرى تسعى تركيا أن تصبح عضوًا
في الاتحاد الأوربي".
وكان
رد فعل الرئيس التركي عبد الله جول بأن وصف عبارات رين بأنها "غيرُ
سارَّة"، وحذر من أن هذا الانتقاد الأوربي يمكن أن يُعرقِل التعاون في أكبر
التهديدات التي تواجه الأمن الأوربي.
ومن جانبه، أوضح رجب طيب اردوغان، رئيس الوزراء التركي، أنه تواصَلَ مع بعض قادة الدول الإسلامية، واللذين طلبوا منه منعَ ترشيح راسموسن.
ومن جانبه، أوضح رجب طيب اردوغان، رئيس الوزراء التركي، أنه تواصَلَ مع بعض قادة الدول الإسلامية، واللذين طلبوا منه منعَ ترشيح راسموسن.
وقد
أشار اردوغان في خطاب له في لندن: " كيف يمكنني أن أتوقع أن يقوم
"راسموسن" بالمساهمة في إحلال السلام، في حين أنه لم يستطع فِعْلَ ذلك من
قبل".
ولقد
كان موقف تركيا مماثلًا لموقف أغلبية أعضاء مجلس الأمم المتحدة لحقوق
الإنسان، والذي تهيمنُ عليه منظمةُ المؤتمر الإسلاميِّ وروسيا والصين وكوبا
والمجموعة الإفريقية. وفي 26 مارس مرَّرَ مجلس الأمن قرارًا غيرَ مُلْزِم
باعتبار تشويه صورة الدين انتهاكًا لحقوق الإنسان "حيث قال إحسان أوغلو:
"إذا ما أراد الناتو أن يتدخل في شئون العالم الإسلامي وقضاياه كأفغانستان,
فلابد أن يكون الشخص المنتَخَبُ لمنصب الأمين العام مقبولًا عند هذه
المجتمعات".
والتعريف
الإسلامي لحرية التعبير, على النحو المحدد في إعلان القاهرة لحقوق الإنسان
في الإسلام عام 1990, هو أن تكون حدود التعبير عن الرأي على نحو لا يتعارض
مع الشريعة – القانون الإسلامي – والذي يتنافي مع إعلان الأمم المتحدة
لحقوق الإنسان والميثاق الدولي للحقوق السياسية والمدنية.
ومع ذلك فإن تركيا هي إحدى الدول الموقعة على كل من إعلان القاهرة والميثاق الدولي.
وعلاوة على ذلك فإن تركيا بوصفها عضو المجلس الأوربي فهي أيضًا من
الموقِّعين على الميثاق الأوربي لحقوق الإنسان. وأدى هذا إلى موقف غريب
بعد ما أصدرت المحكمة حكم 2005، في قضية ليلى شاهين في تركيا، التي أيدت
حظر الحجاب في الجامعات، ولقد انتقد أردوغان قرار المحكمة بشدة، وقال: أنها
ليس لها الحق في التحدث عن هذه المسألة؛ حيث إن العلماء المسلمين، هم فقط
المخوَّلون بإصدار الحكم في ذلك.
في
تركيا نفسها, يمكن للمرء أن يرى كيف يتعامل قادتها مع وسائل الإعلام.
ومرارًا وتكرارًا انتقدت الخارجية الأمريكية ولجنة الاتحاد الأوربي
والبرلمان الأوربي، نقصَ حرية الرأي في تركيا. في العام الماضي تمت محاكمة
82 شخصًا لاتهامهم بتشويه سمعة الدولة التركية، ومؤسسات الدولة. وطبقًا
للتقارير خارج الحدود, تصنف تركيا في مرتبة من بين 102 إلى 173 دولة في
حرية الصحافة.
وفي
عام 2008 , تم إحضار حوالي 435 صحفيًّا وكاتبًا وناشرًا وكذا نشطاء في
حقوق الإنسان وسياسيين وأطفال إلى المحكمة؛ بسبب آرائهم – وهو تقريبًا ضعف
عدد السنة الفائتة، طبقًا لشبكة المعلومات التركية المستقلة.
ولقد
رفع رئيس الوزراء أردوغان دعوى قضائية ضد الصحفيين ورسَّامي الكارتون،
واللذين يعتبرهم سبَّوه، وربح حتى الآن حوالي 90.000دولار . وناهض أيضًا
أكبر وسائل الإعلام "دوغان"، والتي تتعرض للفساد المستشري في الحكومات
الإقليمية والمحلية. فلقد نادى بمقاطعة صحف "دوغان"، ووافق على فرض ضريبة
تُقدَّرُ بحوالي نصف مليار دولار على مجموعة "دوغان". فإذا ما نُفذت
الغرامة فإنها ستغلق "دوغان".
ولقد
انتقدت الفايننشيال تايمز تركيا لتبنيها نبرة الصوت العالي في العالم،
وانتقدت كذلك اعتراض اردوغان على ترشيح راسموسن. والسؤال الآن: إلى متى
ستظل اهتمامات تركيا المفضلة يقوم بها هؤلاء القادة الإسلاميون.
------------------
طالع.. المصدر
تعليقات