الاعتراف بحماس.. الملاذُ الأخير للدبلوماسية الأمريكية
ترجمة: حسن شعيب
تُعتبر
الحكومة الإسرائيلية الجديدة مصدرَ إزعاج لا حاجة لإدارة أوباما به،
ومقارنةً مع تسيبي ليفني, السيدة التي فازت بفارق ضئيل في الانتخابات, أو
حتى إيهود أولمرت, رئيس الوزراء السابق، نجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو
يُظْهِر برودًا تجاه (إقامة) دولة فلسطينية. ورغم أنَّ هذه الحكومة
الائتلافية التي يرأسها نتنياهو يشارك فيها حزب العمل المعتدل فإنّها أيضًا
تَعُجُّ بشخصيات يمينية مثل وزير الخارجية أفيجدور ليبرمان، الذي أفزعت
دعوتُه إلى توقيع المواطنين العرب في إسرائيل على "قسم ولاء" للكيان، حتى
الأصدقاء المُقَرّبين من إسرائيل.
حماس علي الأبواب
ولكن
إذا كانت حكومة إسرائيل تجعل فريق أوباما قلقًا, فإنّها لا تُمثل شيئًا
بالمقارنة مع الحكومة التي ربما تأتي في الجوار داخل الأراضي الفلسطينية-
حيث إنّ محمود عباس وحركة فتح ربما يقومون بوضع أيديهم في أيدي حركة حماس.
وهذه مشكلة؛ لأنّ الإدارة الأمريكية لن يكون لديها ما تفعله مع حماس, أو أي
حكومة تشارك فيها.
قبل
بضعة أشهر, عندما كانت حماس على خلاف مع عباس وفي حرب مع إسرائيل, كان من
السهل اتخاذ هذا الموقف، ولكن الأمر أصبح أكثر صُعوبةً الآن. وعاجلًا أم
أجلًا فإنّ الولايات المتحدة ربما تتوصل إلى نفس الحقيقة المؤلمة التي
توصَّلت إليها في العراق وأفغانستان: إنَّ الشيء الوحيد الأسوأ من التحدُّث
مع الإرهابيين ليس إجراء محادثات معهم.
وبطريقة
ما فإنَّ حركة حماس هي الحدُّ الأخير، فبعد أحداث 11 سبتمبر تعهدت إدارة
بوش بأنها لن تتفاوض مع "الإرهابيين"– ليس فقط تنظيم القاعدة ولكن أيضًا
الحركات "الإرهابية" الوطنية والأنظمة التي ترعاها.
تغييرُ السياسات
وبعد
مُرور سبعة أعوام تبدَّدت هذه السياسة المتشددة؛ فقامت إدارة بوش بالتفاوض
مع كوريا الشمالية رغم إدراجها ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب. وفي
العراق, لم تَكْتفِ بالمحادثات مع البعثيين الذين قتلوا أقرانهم من
العراقيين وجنودنا الأمريكيين, بل قامت بتمويلهم وتسليحهم. وقد ذهبت إدارة
أوباما أبعد من ذلك، فأعلنت عن رغبتها في التفاوض مع حكومتي دمشق وطهران,
وكلاهما مُدْرَجان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وفقًا لما ذكرته وزارة
الخارجية الأمريكية, كما أنّها تدرس مقترحات في الدخول في محادثات مع حركة
طالبان, والتي تحصد أرواح الجنود الأمريكيين كل يوم تقريبًا، ولا تزال
الولايات المتحدة لم تتحدث مع حزب الله، لكنها تُجري محادثات مع الحكومة
اللبنانية, والتي يلعب حزب الله دورًا بارزًا فيها.
لقد
خفَّفنا من حدَّة موقفنا لسببين رئيسيين: أولاهما أنَّ سياستنا في إطلاق
النار والمراوغة لم تنجح في استئصال تلك الحركات ومناصريهم أو حتى الحدّ من
قوتها. ثانيهما أنّ صُناع القرار في الولايات المتحدة قرّروا أنّ هذه
الحركات أمثال البعثيين وطالبان والأنظمة كتلك الموجودة في سوريا وإيران
وكوريا الشمالية تختلف اختلافًا جوهريًا عن تنظيم القاعدة، إنّهم مختلفون؛
لأنَّ أهدافهم وطنية أو إقليمية وليست عالمية، فالبعثيون يريدون حكم العراق
من جديد, وطالبان تريد استعادة السلطة في أفغانستان, وإيران تريد تكريس
طغيانها ونفوذها في الشرق الأوسط. وقد تكون هذه الأهداف غير مقبولة (لدي
الولايات المتحدة)، لكنها قرّرت أن تدخل في محادثات معهم.
حماس في قلب فلسطين
ومن
هنا جاءت المطالبة بالحديث مع الحكومة التي تُشارك فيها حركة حماس حيث إن
حماس تُشبه إلى حدٍ كبير حركة طالبان والبعثيين أكثر من تنظيم القاعدة.
وإلى جانب ذلك نرَى أنّ حماس أصبحت لها جذورٌ عميقة في المجتمع الفلسطيني
وبالتالي من الصعب اقتلاعها بالقوة. كما قامت بتأسيس شبكة رعاية اجتماعية
ضخمة داخل المجتمع الفلسطيني ولذلك نجد أنّ الاستطلاعات العديدة التي
أُجريت مؤخرًا داخل فلسطين تشير إلى أنّ حماس هي الفصيل الفلسطيني السياسي
الأكثرُ شعبية.
وخلال
22 يومًا في أواخر ديسمبر الماضي, دمّرت إسرائيل مؤسسات حماس في غزة, إلا
أنّ الحرب لم تؤلِّب الشعب الفلسطيني ضد حركة حماس. بالعكس أصبحت الحركة
أكثر تحصينًا داخل غزة من أي وقت مضى، بل إنّها على وشك انتزاع السلطة في
مُخَيّمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أيضًا.
استراتيجية الحصار
وإلى
هذا الحدّ, كانت الاستراتيجية الأمريكية والإسرائيلية تعتمد علي حصار غزة
الفقيرة التي تَحْكُمها حماس بينما تقوم بتحسين سُبَلَ المعيشة في الضفة
الغربية التي تحكمها حركة فتح وعباس, على أمل أن يتخلَّى الفلسطينيون عن
حماس بعد أن يروا هذا التبايُنَ، وبذلك نُرغم حماس على الإذعان لمطالبنا.
لكن هذه الاستراتيجية فشلت لثلاثة أسباب كبرى: إحداها هو حركة فتح ذاتها,
والتي مازالت تُعتَبر فاسدةً وتفتقر إلى الكفاءة. وثاني الأسباب هي إسرائيل
التي لم تُقدِّم لعباس أكثر ما يحتاجه سياسيًا: من وقف توسيع المستوطنات
الإسرائيلية في الضفة الغربية. أما السبب الأخير فهو حركة حماس, التي لديها
الحافز لإحباط مخططاتنا.
ما
ينبغي على حماس فعله هو ما فعلته أواخر العام الماضي بإطلاق الصواريخ التي
لم تستطع إسرائيل إيقافها أو الحدّ منها مما يجعلها تَرُدّ بوحشية. وعندما
يحدث ذلك يفقد عباس مصداقيته أمام الشعب الفلسطيني؛ لأنه يقف مكتوفَ
الأيدي صامتًا في الوقت الذي يموت فيه الشعب الفلسطيني.
القولُ الفصل
ويُشير
النقاد إلى أنّ التعامل مع حماس ينبغي أن يكون مثل سابقه؛ فالولايات
المتحدة لم تتعامل علنًا مع ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية إلى أنْ
تخلَّى عن المقاومة واعترف بإسرائيل (حيث تَمّ التفاوض من قبل إسرائيل
والولايات المتحدة مع عرفات سرًّا حتى اتفق مع مطالبنا). ويقولون: إن حماس
ينبغي عليها الاختيار بين المقاومة وبين صناديق الاقتراع. وهم مُحِقّون في
ذلك، ولكن إلى أن تختار حماس فهل نتعامل معها بعد الاختيار أم قبله.
----------
طالع... المصدر
تعليقات