الإسلام في جنوب إفريقيا
ترجمة: حسن شعيب
لا
توجد إحصائيات موثَّقة لأعداد المسلمين في جنوب إفريقيا، لكن التقديرات
تتراوح بين نصف المليون إلى المليون مسلم. وانطلاقًا من إحصائيات آخر تعداد
للسكان ومدى انتشار المسلمين في أقاليم متعددة في جنوب إفريقيا يُمْكننا
أن نقول: إنَّ معظم هذه الفئة من السكان تتألف من المسلمين من أصل الملايو
(وهم حوالي 45% من السكان, ويقيمون أساسًا في كيب الغربية) ومن أصول هندية
(ويُمَثّلون حوالي45% من السكان, ويقيمون في كوازولوناتال, جاوتنج,
مبمولانجا).
أمَّا
باقي المسلمين فنَجِد أنَّ معظمهم من أصول إفريقية وقلَّما تجد مسلمين من
أصول أوربية أو عربية، والمسلمون في إفريقيا لا يُمَثِّلون فقط الأصول
القومية, ولكن يمثلون أيضًا الفئات الاجتماعية والاقتصادية. ويرجع وجود
المسلمين إلى القرن السابع عشر؛ حيث قامت شركة هولندية بشرق الهند بإحضار
العبيد إلى مستعمراتهم من شرق وغرب إفريقيا, وجنوب الهند, سيلان, والجزر
الماليزية؛ لتوفير اليد العاملة في المستعمرة الهولندية الحديثة في جنوب
إفريقيا. ونظرًا إلى أنَّ هذه المناطق الثلاثة كان بها تركيزات عالية من
المسلمين, فإنَّ العديد من العبيد اللذين جاءوا إلى كيب كانوا مسلمين.
وكان
العبيد يُعانون من المعاملة السيئة من قِبَل السلطات الهولندية، وكثيرًا
ما عانوا من الطعام غير المستساغ الذي يُجْبَرون على أكله, وعدمِ وجود
ملابس ثقيلة يَرْتَدونها أثناء البرد القارس في كيب, وعند مُعقابتِهم يتمُّ
ذلك بشكل قاسٍ، وبسبب أخطاء بسيطة في القواعد. وكان معظم أسماء العبيد
تسمى تحت اسم تجار العبيد اللذين باعوهم أو اشتروهم, أو تحت اسم مالكيهم.
وهذا ما يفسِّر السبب في أن غالبية المسلمين في كيب يتميزون بألقاب
نصرانية, مثل ديفيدز, وداكوستا, وهاريس.
وقد
تزايدت سخرة العبيد بالسجون؛ فالمئات منهم تَمّ اعتقالهم من قِبَل
المستعمرات الهولندية في شرق الهند بإحضارهم إلى كيب ليقضون حكمهم القضائي
بالعمل لدي السلطات الهولندية. وكان من بينهم العديد من الرجال ذوي المعرفة
العميقة بالإسلام مثل عبد الله بن قاضي عبد السلام, المعروف لعامّة الشعب
بأنه توان جورو, الأمير السابق لولاية تيدورا في الجُزُر المائية.
وكان
عبد السلام واحدًا من أوائل اللذين سُجنوا في جزيرة روبن ولكنه أصبَح فيما
بعدُ أوَّلَ إمام لأول مسجد أنشئ في كيب بالإضافة إلى أنه أوَّل معلم رسمي
في أول مدرسة دينية رسمية.
فريزارتن
(السود الأحرار ) هو مصطلح جيء به لتخصيصه لهؤلاء العبيد اللذين حُرِّرُوا
من العبودية والمتهمين اللذين أكملوا مدة عقوبتهم. هذه هي المجموعة التي
جلبنا منها الأئمة والمعلمين للمساجد والمدارس الدينية في البداية نسبيًّا.
وفي ضوء ذلك فإن العديد من المؤرخين, يعتمدوا على أن الفريزارتين هم أساس
لإقامة وتوطيد الإسلام في كيب.
وأبرزُ
المعارضين للاستعمار الهولندي والاحتكار الاقتصادي في شرق الهند كان يتمُّ
نَفْيُهم إلى كيب, ومن هؤلاء راجا تامبورا وأمير تيرنات والشيخ يوسف من
ماكسار. ولقد تَمّ عزل هؤلاء- بشكل خاصّ- عن أبناء بلدهم في محاولةٍ لمنعهم
من ممارسة أي تأثير سياسي قد يخلق صعوباتٍ للمستعمر الهولندي في كيب كالذي
قاموا به في الهند الشرقية. وكانوا هم في الواقع أول سجناء في جزيرة روبن.
وفي
القرن 19 قامت بريطانيا بالتعاقد مع العمال من الهند لزراعة قصب السكر في
المستعمرة التي استولوا عليها مؤخرًا في ساحل ناتال. وكانت نسبة المسلمين
تُمَثّل الأقلية (حوالي 10%) من هؤلاء العمال. ومع ذلك فإنّ المسلمين شكلوا
الغالبية العظمى من التجار الهنود واللذين قرروا الهجرة من الهند إلى جنوب
إفريقيا للسعي وراء الثروة في الأراضي الجديدة. وانضم إليهم بعض التجار
المسلمين من موريشيوس وشرق إفريقيا. وقام اللورد روبرتس بإحضار مجموعة
صغيرة من مسلمي الباثان للقتال من أجل بريطانيا ضد البوير "مستعمري جنوب
إفريقيا من الهولنديين" في حرب الأنجلو- بوير.
وبين
عام 1873 و1880, قامت بريطانيا بإحضار عدة مئات من العبيد من شرق إفريقيا –
ومنهم زنجبار- وذلك بالتعاقد للعمل في الأشغال العامة، وهم اللذين تَمّ
إنقاذهم من السفن التي كانت ستقلهم إلى أوربا. ومعظم هؤلاء العبيد كانوا من
المسلمين ويُعْرفون باسم " الزنجباريين" وهي التسمية التي مازالت تطلق
عليهم حتى هذا اليوم. وتأثر الزنجباريون إلى حدٍّ كبير - مثل أوائل
المسلمين في كيب- بالممارسات التقليدية الإفريقية في شعائرهم الدينية
واحتفالاتهم.
وكان
اكتشاف الذهب في منطقة ويتويترسراند في أوائل القرن 20 هو ما جذب
المهاجرين من مالاوي وموزمبيق للذهاب إلى هناك للسعي وراء العمل في
المناجم. والعديد من هؤلاء المهاجرين من المسلمين. وتَمّ تعيين مئات من
المسلمين المالاويين للعمل في صناعة الغابات ومزارع الحمضيات في ترانسفال
الشرقية.
توطيد ونمو الإسلام
القيود
التي فرضتها السلطات الهولندية منعت مسلمي كيب من إنشاء مسجد أو مدرسة
دينية لقرابة قرن ونصف. وأول مسجد أُنْشئ كان عام 1797 بواسطة توان جورو.
وأُنْشِئ أيضا أول مدرسة دينية والتي علم فيها الإسلام باللغة الملايو.
وبحلول القرن 19, أصبحت اللغة الإفريقية هي لغة المسلمين في كيب والتي
أسهمت بشكل كبير في تنميتها. وليس من المستغرب أن تصبح وسيلة التعليم في
المدارس.
والكتب
المدرسية المستخدمة في المدارس الدينية- الكتب المكتوبة باللغة العربية-
تُكْتَب باللغة الإفريقية. وبمرور الوقت تَمّ التخلي تمامًا عن أشكال
التعبيرات السابقة, ونادرًا ما يظهر البعض الآخر, ومازال البعض الآخر في
سبيله إلى التغيير. وترجع هذه التغييرات أساسًا إلى ثلاثة عوامل رئيسية:
دور الأئمة وأثر التعليم- خاصة بعد إنشاء أول مدرسة دينية في عام 1793
والبعثة الدراسة في عام 1913- وتأثير المؤسسات العربية على الطلاب اللذين
ذهبوا إلي مكة والقاهرة لاستكمال دراستهم.
والإسلام شهد نموًا سريعًا في كيب في القرنيين الأوليين. ويُعْزَى هذا إلى عدة عوامل وهي:
1- تحوّل العبيد إلى الإسلام لما قدَّمه الإسلام من أوضاع آمنة وهوية للمنطقة.
2- التزاوج بين الرجال المسلمين والنساء الإنجليزيات في كيب.
3- العائلات المسلمة تكفل الأطفال المتخلَّى عنهم.
4- حضور الأعراق والأديان المختلفة إلى المدارس الإسلامية.
5- حظر بيع العبيد النصرانيين، ومن هنا, قام مالكو العبيد بشكل مباشر بتشجيع اعتناق العبيد للإسلام بدلاً من النصرانية.
-----------------------
طالع.. المصدر
تعليقات