الصومال.. بين نار الدخلاء وجحيم القرصنة
ترجمة: حسن شعيب
في
الأسابيع الأخيرة تزايدت التصعيدات الخطيرة للقتال في مقديشو, العاصمة
الصومالية, بعد الهدوء النسبي الذي حل في بداية هذا العام. فالقوات
الحكومية تحاول منذ منتصف مايو التخلص من المقاتلين الإسلاميين الذين
يسيطرون تقريبًا علي غالبية العاصمة والريف.
وفي
أواخر مايو الماضي قُتل ما يزيد عن 45 شخصًا في يومٍ واحد من القتال مما
يجعلها أكثر الأيام دموية التي شهدتها العاصمة هذا العام. لقد تحولت
مقديشوا إلي هيكل مدينة وذلك بعد عقد ونصف من القتال الذي لا هوادة فيه بعد بدء هجمات القوات الحكومية مما زاد من نسبة تهجير سكانها.
ولقد لاذ بالفرار أكثر من 50،000 شخص من العاصمة، في محاولة للعثور على
مأوى في مخيمات اللاجئين المكتظة بالسكان داخل البلاد في كينيا.
ومنذ
بداية سلسلة الحرب الأخيرة في عام 2007 عقب الاحتلال الاثيوبي, قُتل ما
يقرب من 18000 شخص وتم تشريد ما يزيد عن المليون في معسكرات اللاجئين ويحيا
حاليا ثلاثة ملايين صومالي علي الإعانة الغذائية التي تقدمها الوكالات
الدولية.
شباب المجاهدين
أما
مقاتلي المقاومة الإسلامية في الصومال فقد رفعوا السلاح ضد الغزو الاثيوبي
وأرغموا القوات الإثيوبة والتي تدعمها الولايات المتحدة علي التراجع في
كثير من الأماكن بعد ما حققوه من نجاح في القتال ضدهم.
وفي محاولة أخيرة لتحقيق الاستقرار في البلاد التي مزقتها الحرب قام المجتمع الدولي بدعم من الاتحاد الإفريقي
بتشكيل حكومة يرأسها شيخ شريف أحمد, الزعيم السابق لاتحاد المحاكم
الإسلامية, والذي قاد النضال ضد القوات الإثيوبية من قبل. ويرأس شيخ شريف
حاليًا الحكومة الصومالية التي تضم زعماء حرب وسياسيين تساندهم أمريكا
وإثيوبيا, حليفتها في المنطقة.
ولم
تكن الترتيبات التي تم وضعها بعد انسحاب القوات الإثيوبية في مطلع عام
2009 مقبولة من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة. ومنهم الفصيل الرئيسي في
القتال "حركة شباب المجاهدين" والتي يتهمها الغرب بأن لها صلات بتنظيم
القاعدة. وكذلك جماعة "حزب الإسلام" والتي تشارك بفاعلية في المعارك
الأخيرة في مقديشيو.
وفي
الشهرين الماضيين, استهدف الإسلاميون الشخصيات البارزة وكبار المسؤلين
اللذين لهم صلة بالحكومة الجديدة. وفي مطع مايو, كانت قد قررت القوات
الحكومية وقوات الاتحاد الإفريقي وقوامها 4000 من قوات حفظ السلام أن تباشر
قتال المليشيات الإسلامية والتي تسيطر علي أجزاء شاسعة من جنوب ووسط
الصومال.
إن
حماية المنشآت الحكومية وتوفير الأمن لكبار الإداريين المدنيين هي وظيفة
قوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام. ولكن وبعد التقدم المتواصل الذي تحققه
"حركة شباب المجاهدين" في الأشهر الأخيرة, مما أصاب قوات الاتحاد الإفريقي
بالذعر.
وبالرغم
أن قوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام ليس لديها التفويض في اتخاذ تدابير
بشأن التمرد في البلاد ولكن قد يتغير هذا عما قريب لوجود إجماع في االقارة
علي إيقاف الإسلاميين.
دخلاء المصالح
وتلقي
المنظمة الإفريقية باللوم علي دولة اريتريا المجاورة لتزويدها القوات
الإسلامية بالسلاح. وكلا من إثيوبيا وإريتريا علي خلاف لأكثر من عقد من
الزمان. وخاضتا حربا دموية في النزاع الحدودي الصغير. و كانت إريتريا خلال
فترة رئاسة بيل كلينتون واحدة من أقرب حلفاء واشنطن.
ولكن
في العقد الماضي, أصبحت إثيوبيا أكبر بكثير من عدوتها وصاحبة جيش أكبر, بل
واختارتها الولايات المتحدة لأن تكون حليفتها في ما يسمي"بالحرب علي
الإرهاب" في القرن الإفريقي. كما اختارت إثيوبيا أن تتجاهل الأمم المتحدة
بعد ما قامت لجنة أممية بالتحقيق في أسباب الحرب بين إريتريا وإثيوبيا
والتي أظهرت أن "أديس ابابا" هي من أثارت النزاع الحدودي.
وتعمل
إريتريا حاليًا علي جعل إثيوبيا تنزف كثيرًا في القتال في الصومال. ومن
المحتمل أن الحكومة الإريترية تقوم بالدعم الضمني للمقاتلين الإنفصاليين في
الإقليم الإثيوبي أوجادين (شعبه صومالي).
وفي
الأسبوع الثالث من مايو, طلب الاتحاد الإفريقي من مجلس الأمن فرض عقوبات
علي إريتريا وطالب أيضا بفرض الحظر الجوي والبحري علي الصومال.
إنها
المرة الأولي التي يطلب فيها الاتحاد الإفريقي فرض عقوبات علي أحد الدول
الأعضاء. ولقد اتهمت المجموعة الإقليمية لشرق إفريقيا الحكومة الإريترية
بتمويل وإثارة القتال في الصومال. ولقد انسحبت إريتريا من المجموعة في عام 2007 ، متهمة إياها بالفشل في تحقيق السلام في المنطقة.
وقد
سبق بالفعل أن أعرب مجلس الأمن عن قلقه إزاء التقارير التي تفيد أن
إريتريا تزود الملشيات الإسلامية في الصومال بالأسلحة وهذا خرق
للحظر المفروض من قبل الأمم المتحدة. ولكن الحكومة الاريترية نفت هذه
الاتهامات بل وحملت الولايات المتحدة مسئولية تضليل المجتمع الدولي.
وفي
تعليق علي هذه التقارير التي تشير أن إريتريا تزود المليشيات الإسلامية
بالأسلحة في مقديشوا قال سفير إريتريا لدى الأمم المتحدة "هذا الكلام عارٍ
من الصحة ومضلل للغاية". ومن جانبه اتهم سياس افوقي, الرئيس الاريتريي,
وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي أي إيه) للولايات المتحدة في
تهريب أسلحة إلى الصومال. حيث أخبر وكالة الأنباء الدولية "نحن لا نتدخل في الصومال ولا نريد أن نري أي إرهاب هناك".
وفي
حديث أجري مؤخرا لوكالة رويترز أوضح الشيخ حسن طاهر أويس, القائد الإسلامي
البارز, أن الإسلاميين يتلقون الدعم من قبل إريتريا. حيث قال "إريتريا
تدعمنا وإثيوبيا هي عدونا". لقد قمنا بمساعدة البلدين من قبل ولكن إثيوبيا
لم تكافئنا".
و
بعد قضاء أكثر من عامين في المنفى باريتريا عاد الشيخ أويس مؤخرًا إلى
الصومال وهو الذي انفصل عن شيخ شريف أحمد سياسيًا, الرئيس الحالي للصومال,
بعدما بدأ شريف المفاوضات مع الحكومة الإثيوبية, بعد فترة وجيزة من سقوط
الصومال عام 2007. ويذكر أنه خلال الفترة الوجيزة لحكم اتحاد المحاكم
الإسلامية, اختار أويس شريف, وهو مدرس, ليكون الواجهة الدولية للاتحاد.
ولدى
عودته إلى العاصمة الصومالية ، قال أويس لأنصاره إن الحكومة التي يقودها
شيخ شريف قد نصبها " أعداء الصومال". ورفض أويس الحل الوسط مع الإسلاميين
المعتدلين اللذين يتقلدون حاليًا مناصب هامة في الحكومة التي عينها المجتمع
الدولي في مقديشو. ولقد حاول شيخ شريف في البداية استرضاء المتشددين
الإسلاميين بالموافقة علي تطبيق الشريعة الإسلامية. ولكنه عاد وبدأ ينظر
إلي العرض السابق علي أنه يخسر بذلك الغرب وإثيوبيا.
جرثومة حفظ السلام
وأشار
أويس إلي أن المجتمع الدولي ليس له الحق في أن يمنع الصوماليين من اختيار
حكومته الذاتية. واستشهد انه خلال الفترة القصيرة التي حكم فيها اتحاد
المحاكم الإسلامية الصومال ساد السلام مما أجبر أمراء الحرب علي التراجع.
ومن
ناحية أخري, أصدر البرلمان الصومالي الفيدرالي قانونًا ينص علي أن أي شخص
يحارب حكومة شريف مدان بمعاداة الإسلام. ومن جانب أخر تعهد أويس بإنشاء
"الجمهورية الإسلامية الصومالية" ووصف قوات الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام
بأنها "جرثومة" لابد من إزالتها. وكانت الحكومة الأمريكية اتهمت الشيخ أويس
بإيواء المسئولين عن التفجيرات في السفارتين الأمريكيتين في نيروبي
(كينيا) ودار السلام (تنزانيا).
وهناك
دلائل مقلقة تشير أن القوات الإثيوبية تستعد لإعادة غزو الصومال إذا ما
تدهور الوضع. وذكرت الصحف الإقليمية أن القوات الإثيوبية موجودة علي الحدود
الصومالية. ولكن الحكومة الإثيوبية نفت هذا. وتبقي الحقيقة أن أديس ابابا
لا تزال تنظر إلي حركة شباب المجاهدين علي أنها تهديدًا خطيرًا لمصالحها
الأمنية علي المدي البعيد.
ومن
جهة أخري زعم رئيس الوزراء الاثيوبي ميلس زيناوي أن الغزو الاثيوبي حد من
قوة الإسلاميين المتشددين. وقال زيناوي أن الهدف من الهجوم العسكري
الاثيوبي هو أن يثبت للإسلاميين "أن حركة شباب المجاهدين لن تتمكن من
امتطاء خيل السلطة".
القرصنة هي الحل
والحقائق
علي أرض الواقع تظهر شيئا أخر حيث أن حركة الشباب مازالت تواصل القتال في
الصومال ويدعي زيناوي أن القوات الإثيوبية قادت حملة ناجحة ضد حركة الشباب.
ولكن وفي النصف الثاني من مايو, تقدمت الحركات المتمردة نصف كيلو متر من
قصر الرئاسة.
وقال
أحمد ولد عبداله مسئول رفيع بالأمم المتحدة في منتصف مايو " أن ما يقدر ب
280-300 مقاتل أجنبي كانوا يساعدون المتمردين. وقال إن الشيشانيين والأفغان
كانوا من بين هؤلاء اللذين يقومون بتدريب المقاتلين المحليين على
المتفجرات والتكتيكات.
و
بوتيرة متزايدة تحدث تفجيرات على جوانب الطرق والهجمات الانتحارية في
مقديشو. وربما تقوم إثيوبيا بدعم من الولايات المتحدة بإرسال قواتها إلي
الصومال للتعامل مع حركة شباب المجاهدين.
ولقد وعد الاتحاد الإفريقي بتعزيز قواته لحفظ السلام في الصومال بالمزيد من الأفراد العاملين وقوة السلاح. وقد تعهد المجتمع الدولي بتقديم نحو 200 مليون دولار إلى الحكومة الصومالية لمحاربة المتمردين وكذلك
معاقبة القرصنة التي انبثقت من أرض المعركة التي عانت كثيرًا ولم تعرف
السلام في العقدين الماضيين. فالقرصنة ما هي إلا أعراض الانحراف الذي
إستحوذ علي الصومال, الدولة المحطمة.
الحكومة الصومالية لا تسيطر إلا علي قطاعات قليلة في مقديشو.فقد قام الدخلاء بنهب الساحل الصومالي في غياب السلطة المركزية. وتبقي القرصنة هي أحد الخيارات القليلة الباقية لكثير من الصوماليين المنكوبين بالفقر.
--------------
طالع.. المصدر
تعليقات