ألا لعنة الله على محكمة الجنايات الدولية
ترجمة/ حسن شعيب
اسمحوا
لي أن أستعير عبارة القس الأفروأمريكي "جيرمي رايت" (ألا لعنة الله على
باراك حسين أوباما وملكة البرامج الحوارية أوبرا وينفري)، لتكون هذه هي
المرة الأولى التي أقولها أو أكتبها فيها؛ فما هو التعبير الأكثرُ دِلالة
ودقة من هاتين الكلمتين عندما يشاهد الواحد منَّا إخفاق العدالة في أبشع
صورها كمًا وكيفًا، وليس لأحد القدرة على إيقاف ذلك.
ألا
لعنة الله على محكمة الجنايات الدولية؛ التي أصدرت قرارًا باعتقال الرئيس
عمر حسن البشير باتهامه بأسخف تهمة، وهي تورطه بجرائم حرب في دارفور غرب
السودان.
لقد
زرتُ دارفور؛ شماله وجنوبه، وقابلتُ رجالًا ونساءً في كل مناحي الحياة،
ووجدت مأساة فعليَّة؛ فالغرب –وخاصة إسرائيل- تُموِّل وتُدرِّب وتُزوِّد
المتمردين بالأسلحة. الذين يتصفون بقسوة القلب وانعدام الرحمة؛ فهم
يروِّعون القرويين في المناطق النائية، ويضربون ويفرون للاختباء في الدول
المجاورة، ومعظم ضحاياهم من الأبرياء.
ولا
يمكن أن يكون تدخل الدول الأوربية خوفًا على شعب دارفور أو حبًّا فيه؛
فالسكان كلهم أفارقة سود ومسلمون. ولم يكن أبدًا موت وإبادة المسلمين
والأفارقة وسكان العالم الثالث من اهتمامات "القوى" الغربية، التي لا تهتم
إلا بالبترول واليورانيوم والنحاس!
وقد كان إقليم دارفور "الأحمق" مليئًا بالعديد من المعادن!
غش وخداع
ألا
لعنة الله على النفاق الأوربي وازدواج معاييره؛ فمجرمو الحرب والسفاحون
الحقيقيون أحرار، وليس لدى المحكمة الدولية الموقرة أي نية لجعلهم
يمْثُلُون أمام العدالة.
ألا
لعنة الله على استغلال العدالة لتحقيق المآرب السياسية؛ فالمحكمة الدولية
تُستخدم كوسيلة تهديد لابتزاز واختلاس الدول الأقل حظًا؛ لإعاقة تقدمها
وسلب ونهب مواردها.
لقد
أصدرت المحكمة مذكرة توقيف بحق الرئيس البشير؛ لأنه رفض تدخل الدول
الأجنبية في شئون بلاده، وهذا يبين لنا أنها ليس لديها صلاحية توقيف مجرمي
الحرب الأكثر خطرًا على وجه الأرض. فليس لديها سلطة محاكمة الرئيس الأمريكي
السابق جورج بوش، ولا نائبه ديك تشيني، ولا وزير الدفاع السابق دونالد
رامسفيلد ومساعديهم الذين لا يرحمون!
حتى
الشعب الأمريكي - الذي كانت تُخفَى عنه الحقيقةُ ويقوم الإعلام المشترك في
هذه الجرائم بغسل مخه يوميًّا- أدرك أخيرًا أن هذه الحروب التي شنها هؤلاء
السفاحون ضد الدول الضعيفة اعتمدت على الغش والخداع المحضَين. ورغم تحكم
اليهود الصهاينة المطلق في تدفق المعلومات، أدرك الأمريكيون أخيرًا أن هذه
الحروب شُنَّت من أجل إسرائيل، هذه الدولة الغير شرعية والعنصرية والتي
ستلقى في النهاية نفس مصير النظام العنصري (أبارثايد) الذي كان قائمًا في
جنوب أفريقيا.
تدمير العراق
لقد
أدرك الأمريكيون أن فلذات أكبادهم سافروا آلاف الأميال بعيدًا عن وطنهم
ليُقتَلوا أو يُشَوَّهوا من أجل البترول وإثراء مؤسساته متعددة الجنسيات.
ومن
المثير للأسى ما أوردته التقارير من أن ما يقارب 360 ألفًا من الأمريكيين
(ذكورًا وإناثًا) الذين تدربوا لكي يقتلوا ويُدمِّروا قرًى كاملةً، عادوا
إلى وطنهم بتلفٍ دماغيٍّ محتمل، فيما وصلت أعداد قتلى القوات الأمريكية في
العراق بحسب الإحصائيات الرسمية إلى 4256 ويزيد.
لقد
دمرت حرب بوش في العراق ما يقارب 7000 سنة من الحضارة، وأصبحت العراق
خرابًا بكل ما تحمله الكلمة من معنًى، وارتفعت أعداد شهداء العراق إلى أكثر
من مليون ونصف، ورُمِّلت ثلاث ملايين امرأة، ويُتِّم خمسة ملايين طفل،
وشُرِّد ستة ملايين عائلة، وتعدت البطالة سقف الـ 70 بالمائة، ولا غَرْوَ
أن تكون الوزارة الحكومية الوحيدة التي نجت من القصف الأمريكي هي وزارة
النفط.
اغتيال غزة
ورغم
تلقي المدعي العام لمحكمة جرائم الحرب الدولية ما لا يقل عن 350 شكوى
موثقة بالصور والفيديو، بالإضافة إلى شهود يمثلون منظمات حقوق الإنسان
الدولية، استمرت محكمة (القفز) الدولية في الإصرار على (ادعائها) أنها لا
تمتلك سلطة إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت،
ووزير الدفاع إيهود باراك، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني وجنرالاتهم. ورغم
ذلك يُصر العالم بأكمله - بما فيه اليهود- على ضرورة اعتقال هؤلاء
الإسرائيليين ومحاكمتهم بتهمتي جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.
لقد
شهد المليارات حول العالم، بالبث المباشر مؤخرًا، القصف الإسرائيلي على
قطاع غزة المحدود، وشهدوا جميعًا مقاتلات (إف-16)، ومروحيات الآباتشي،
والزوارق الحربية، والقذائف والمدافع وهي في الميدان، شهدوا أيضًا عشرات
الآلاف من أطنان المتفجرات الأكثر إبادة وتدميرًا، من بينها قنابل الفوسفور
الأبيض وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليًا، تنهمر فوق رؤوس أهل غزة. وكانت
كل البُنى التحتية المدنية، والمنازل والمساجد والكنائس والمدارس والجامعات
والمستشفيات وسيارات الإسعاف وحتى مزارع الدواجن -كلها كانت - أهدافًا
"شرعية"! لتصل أعداد القتلى خلال 23 يومًا من القصف المتواصل إلى قرابة
1400 شهيد (من بينهم 500 طفل)، و 6 آلاف جريح.
لعبة المصالح
هذه
المحكمة الدولية يديرها ويتحكم فيها رزمة من المجرمين الدوليين، الذين لا
تعنيهم الحقيقة أو العدالة، ولا يهتمون بحياة الفرد أو كرامته، وأجندة
واضحة، هدفها الوحيد هو زعزعة السودان وحكومته بما يخدم المصالح الغير
شرعية والجشعة لواشنطن ولندن وباريس والعواصم الأوربية الأخرى.
وتقف
الغالبية العظمي من الدول في العالم -ومنهم الجامعة العربية والاتحاد
الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز- بقوة بجانب الحكومة
السودانية ضد هذه المؤامرة القذرة.
اعذروا
لهجتي! لكن ينبغي على المدعي العام وقضاة هذه المحكمة أن يأخذوا مذكرة
التوقيف التي أصدروها بحق الرئيس السوداني عمر البشير، ويحشروها بأفواههم.
فالرئيس البشير في أيدي أمينة، والسودانيون شعب قوي وذو كرامة، ولا توجد
قوة على وجه الأرض بإمكانها أن تجبرهم على تسليم زعيمهم, الذي هو رمز عزهم
وكرامتهم ضد الأعداء الأجانب.
الانبطاح هو الحل!
في
إحدى زياراتي للسودان، انضممتُ إلى الرئيس البشير وعائلته لقرابة 8 ساعات
في بيته المتواضع الصغير الساحلي في قريته الفقيرة. جلستُ على سرير حديدي
واهن تم تحويلُه إلى أريكة. إنها طريقة العيش البسيطة التي لا يحياها من
القادة العرب غير الرئيسين معمر القذافي والبشير.
إن
البشير رجل لطيف ومهذَّب، وهو يتألم من أجل دارفور، والتهمة الوحيدة التي
يمكن توجيهها إليه هي حقيقة أنه أخذ قسم الرئاسة على محمل الجد؛ لقد تعهد
الرجل بالحفاظ على وحدة السودان، وسيادته واستقلاله، وأن يحمي ثروات بلاده
ومصادرها وفق الدستور السوداني.
إذا
سمح البشير للعلَم الإسرائيلي أن يرفرف في سماء الخرطوم ، وإذا وافق على
المقترح الإسرائيلي بتدشين قناة "السلام" لنقل المياه من النيلين الأبيض
والأزرق إلى إسرائيل، وإذا قلل من سقف تأييده للفلسطينيين ضد الاحتلال
الإسرائيلي، وإذا اتخذ موقفًا ضد سوريا وإيران، وإذا انضم إلى "المعتدلين"
العرب الذين يخضعون للهيمنة الأمريكية، أو إذا استبدل الشركات الأمريكية
بشركات البترول الصينية والماليزية، إذا فعل البشير كل هذا لبرَّأ الغرب
ساحته بين عشية وضحاها! وبالطبع كان ليوصف ساعتها بـ "الواقعي"،
وَلَأُمْطِرَ بالمدح كبطل عالمي محب للديمقراطية والسلام.
وتكمن
السخرية في حقيقة أن 4 ملايين رجل وامرأة وطفل ذُبحوا في حرب أهلية
أشعلتها المصالح الغربية. ولازالت المذابح والاغتصاب مستمرة يوميًّا.
وإسرائيل وحلفاؤها، ممن يذرفون دموع التماسيح من أجل شعب دارفور، لم ينطقوا
بكلمة إدانة واحدة. وكذلك وسائل الإعلام الغربية لم تُبدِ اهتمامًا أو
تحفُّظًًا.
تعليقات